الإمام علي (ع) يوصينا بالتواصل، والتواصل وإن كان يراد منه التَّزاور والسُّؤال عن الحال، والصِّلَة بالمال، ولكن يمكننا أن نفهم منه دعوة إلى إحسان العلاقة مع الآخرين.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “عَلَيْكُمْ بِالتَّواصُلِ وَالْمُوافَقَةِ، وَإِيّاكُمْ وَالْمُقاطَعَةَ وَالْمُهاجَرَةَ”.
ما أحوجنا إلى هذه الوصِيَّةٌ الكريمة في زماننا هذا حيث بات المجتمع يَنحو حثيثاً نحو الفَردانية، وتستبدُّ بأفراده الأنانية، لا يهتمّ الفرد إلا بنفسه ولا يعنيه أمر الآخرين في شيء، وما كان المجتمع يقوم عليه فيما مضى من اهتمام بصِلَة الأرحام، وأداء الواجبات الاجتماعية المختلفة، بات الاهتمام فيه قليلاً، بل بتنا نرى التواصل قليلاً بين الزوج وزوجه، والوالدين وأولادهما، والأخ وأخيه، والقريب وقريبه، كأن الناس قد بُعِثوا في المَحشَر يوم القيامة، كل واحد منهم “يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ” ﴿عَبَسَ/ 37﴾.
ولَيتَ الأمر يقتصر على الإقلال من التواصل بل قد يصل إلى الهجران، بل أكثر ما يشكو الأزواج منه اليوم الهجران، فالزوج لا يتواصل مع زوجه بل يهجره، يعيش معه في بيت واحد ولكنه لا يُكَلّمه وإذا كَلَّمه لا يجيد التواصل معه، كلمتان فقط كفيلتان برفع منسوب التوتر بينهما، ثم يكون الصراخ، وقد يعقبه الشَّتم والسَّبُ، وقد ينتهي الأمر بينهما إلى التضارب.
وهكذا الأمر بين الوالد وأولاده قليلاً ما يجلس إليهم ليسأل عن أحوالهم، وما يحدث معهم، وما يعانون منه، وما يواجهون من أزمات، ولِيَفهم كيف يفكرون، وبماذا يؤمنون، وماذا يحبون ويكرهون، ومع من يتواصلون، ومن يصادقون، أو لِيُؤدّبهم بالآداب الحَسَنَة ويربِّيهم على الفضائل والمكارم، وإن حَدَثَ وجلس إليهم جلس متبَرِّماً مُستعجلاً، تمرُّ الدقيقة عليه كأنها شهر، وأثناء ذلك قد يعلو صوته، ويرتفع صراخه، وقد يصل به الأمر إلى تعنيفهم وضربهم.
الإمام أمير المؤمنين (ع) يوصينا بالتواصل، والتواصل وإن كان يراد منه التَّزاور والسُّؤال عن الحال، والصِّلَة بالمال، ولكن يمكننا أن نفهم منه دعوة إلى إحسان العلاقة مع الآخرين والحرص على أن تكون قويمة مَتينة، وإجادة الحوار معهم، مع حُسنِ القَول والإقبال عليهم، والاهتمام بهم، والتبَسُّم في وجوههم، والصَّفح عن أخطائهم، والتجاوز عن هفواتهم، والتعبير لهم عن محبته واحترامه، وتقديره لجهودهم، والثناء على إنجازاتهم ومحامدهم.
ويوصينا (ع) أيضاً بالموافقة لبعضنا البعض، والمُلايَنة، والمُداراة، والتوَدُّد، والحرص على الاتفاق ما أمكن، والحوار على ما نختلف فيه وكلنا يطلب الحق ويقبله من الطرف الآخر، واجتناب الخلاف ما أمكن، وعدم إثارة النَّعرات فيما بيننا، وكل أمرٍ يؤدي إلى الخِلاف والشِّقاق من قولٍ، أو فعلٍ.
وينهانا (ع) عن الهُجران والقطيعة، أيّاً تكن الأسباب، وكلاهما حرام وقد دلَّت على ذلك طائفة كبيرة من الروايات الشريفة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “هَجْرُ المُسْلِمِ أَخَاهُ كَسَفْكِ دَمِهِ” وأوصى (ص) أبا ذَرٍّ فقال: “يا أَبا ذَرٍّ! إِيّاكَ وهُجْران أَخيكَ، فَإِنَّ العَمَلَ لا يُتَقَبَّلُ مَعَ الهُجَرانِ”.
ورُوِيَ عنه (ص) أنه قال: “أيُّمَا مُسْلِمَيْنِ تَهَاجَرا فَمَكَثَا ثَلاَثاً لا يَصْطَلِحَانِ إِلاَّ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنِ الإسلام، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلاَيَةٌ، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَسْبَقَ إِلَى كَلاَمِ صَاحِبِهِ كَان اَلسَّابِقَ إِلَى الْجَنَّةِ يوْم الْحِسابِ”. وإذا كان هذا حال ومآل من يهجر أخاه المسلم ويقطع الصِّلة به فكيف هو حال ومآل مع يهجر زوجه أو واحداً من أرحامه وأقربائه؟