كان سماحة الامام الخميني (قدس سره)، وهو الذي اعتبر تربية الانسان، اعظم واجب ومَهمة له، كمعلم اخلاق وشخص افنى عمره بتهذيب النفس، كان يغتنم فُرَصاً كشهر رمضان المبارك بهدف تربية واصلاح حال الآخرين، الى جانب توصياته القيّمة التي كان ملتزماً بها الى حد كبير، ويعمل بها اكثر من غيره… كانت انذاراته وتحذيراته (عامل) توعية وتربية وسلوكه افضل نموذج للاتّباع. هكذا كان يستحوذ كلامه على القلب والروح ويهدي الى صراط العبودية المستقيم. لذا، فمن الضروري، نقل قسم من حالاته وكلماته بالنسبة لِما ذُكر آنفاً.
يذكر احد اعضاء مكتب سماحة الامام: ” كان الامام يُوجِد تغييراً خاصاً يتناسب وهذا الشهر المبارك (رمضان)، في حياته، بحيث يقضي ذلك بتلاوة القرآن المجيد، الدعاء والعمل بالمستحبات المرتبطة بشهر رمضان، خلال ايام الشهر المبارك.” (حجة الاسلام آشتياني، مقتطفات من سيرة الامام الخميني، ج3، ص 90)- ف.
بناء على ذلك:
” سر هذا المعنى، الذي كان يُلغي فيه الامام لقاءاته، في شهر رمضان المبارك، هو التفرّغ اكثر للدعاء والقرآن وصياغة النفس” – (المرحوم آية الله توسلي، المصدر… ص 89)-ف.
وباعتقاد سماحته البالغ: ” ضيافة الله سبحانه وتعالى تختلف عن ضيافة الناس فلو دعاكم أحدهم لحاول أن يوفر لكم وعلى قدر إستطاعته ما يلزم من الطعام والتسلية ولكن في ضيافة الله صيام ومائدة غيبية وهي القرآن. لقد دعيتم إلى ضيافة الله في هذا الشهر فأنتم ضيوفه إذاً. وقد طلب منكم صاحب الضيافة أن تصوموا.أغلقوا كل أبواب الدنيا وابتعدوا عن الشهوات الدنيوية لتستعدوا خير استعداد لليلة القدر المبارك (صحيفة الامام، ج13، ص 31)”.
انه، سماحته، كان عارفاً بقيمة الدخول في الضيافة الالهية، صيام شهر رمضان برعاية جوانبه والتزاماته، الانتفاع بمائدة القرآن السماوية، اغلاق طرق الشهوات والابتعاد عن التمنيات النفسانية، والاستعداد لفرصة ليلة القدر وهي ليلة نزول القرآن الكريم، وقدرها ومنزلتها اكثر من الف شهر، حيث يتم فيها احياء السنن الالهية وتعيين مصير الانسان، وطبيعي ان سماحته يُثمِّن ذلك و يغتنمه.
يُنقل:
” انه كان يصوم.. في ايام النجف الاشرف، الطويلة والشديدة الحرارة. وحسب ما يذكره خادم المنزل، ان غذاء السحر لا يُؤكل منه شيئ! غير نصف (كتليت، نوع من الكباب المقلي)”. – (صديقة مصطفوي، كريمة الامام، مقتطفات من سيرة الامام الخميني، ج3، 89)- ف-
انّ الامتناع عن الاكل وغض النظر عن (التنعمات)، يظهر عليه (قدس سره) ايضاً عند الافطار، ففي ذلك الجو والايام الطويلة، وذلك العمر والضعف البدني وذلك الطعام، لايقوم الامام (قدس سره) بالافطار، الاّ عند اتمام صلاتيَ المغرب و العشاء ونوافلهما.
يذكر احد المقربين من الامام في النجف الاشرف:
” خلال شهر رمضان المبارك، كبقية الشُهور، كُنت اُصَلّي الظهر والعصر مع الامام في مسجد الشيخ الواقع في سوق الحويش في النجف الاشرف، اما صلاة المغرب و صلاة العشاء فاصِّليهما مع سماحة اية الله العظمى السيد عبد العلي سبزواري، وذلك، لان سماحة الامام (قدس سره)، مع كهولته وضعفه، حتى في ايام الشهر المبارك، الذي يتفق وحر الصيف الشديد وايام الصيف الطويلة، كان ملتزماً بالعمل بنوافل المغرب والعشاء، في الوقت الذي كنا فيه شباباً و نتمتع بمقاومة اكثر، كنا نرغب في ان تتم صلاتا المغرب و العشاء بدون نوافل، لتناول طعام الافطار. (آية الله السيد مجتبى رودباري- صحيفة القلب، نصوص وخواطر مُدَوّنة من تلامذة الامام الخميني (قدس سره)، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الامام الخميني، ص 81 و82)- ف-
نعود الى دعاء وتضرع الامام الخميني (قدس سره) والتفاته الى القرآن الكريم في شهر رمضان، في فرصة اخرى.. ونختم الحديث بقسم من الكتاب القيم” الجهاد الاكبر” على امل الانتفاع اكثر بذلك..
” إن قلب الإنسان كالمرآة صافٍ ومضيء. ولكنه يتكدر نتيجة تكالبه علی الدنيا وكثرة المعاصي. فإذا استطاع الإنسان أن يؤدي ـ علی الأقل ـ الصوم بنية خالصة منزّهه من الرياء «ولا أقول إن العبادات الأخری لا ينبغي توافر الإخلاص فيها، بل إن الصدق والنية الخالصة شرط في جميع العبادات»، وإذا تمكن أن يبقی طيلة هذا الشهر المبارك معرضاً عن الشهوات مجتنباً اللذائذ منقطعاً عمّا سوی الله تعالی، وقام بعبادة الصوم كما ينبغي، فقد تشمله عناية الله فتزول عن مرآة قلبه ما علق بها من الغبش وما اعتراها من الكدر وما خيّم عليها من ظلام الذنوب، ويكون ذلك سبباً في أن يُعرض الإنسان كلياً عن الدنيا المحرمة ولذائذها، وحينها يرغب في ورود «ليلة القدر» يكون قد أصبح أهلاً لأن ينال الأنوار التي تتحقق في تلك الليلة للأولياء والخلّص من المؤمنين.
وإن الذي يجزي مثل هذا الصوم هو الله تبارك وتعالی كما قال عنه جل وعلا: «الصوم لي وأنا أجزي به». فليس بمقدور شيء آخر أن يكون ثمناً لمثل هذا الصوم؛ حتي جنات النعيم لا تعني شيئاً أمام صومه ولا يمكن أن تكون ثمناً له.
أما إذا أراد الإنسان أن يكون صيامه حبس الفم عن الطعام وإطلاقه في اغتياب الناس وفي قضاء ليالي شهر رمضان المبارك حيث تكون المجالس الليلة عامرة وتوافر فرصة أكبر لتمضية الوقت إلي الأسحار في اغتياب المسلمين وتوجيه التهم والإهانة لهم، فإنه لن يجني من صومه شيئاً (الجهاد الاكبر، ص52)”.