في مثل هذا اليوم استشهد آية الله العظمى الإمام السيد محمد باقر الصدر، وهو واحداً من كبار العلماء والمجددين في الفكر والحركة العلمائية.
في مثل هذا اليوم استشهد آية الله العظمى الإمام السيد محمد باقر الصدر، وهو واحداً من كبار العلماء والمجددين في الفكر والحركة العلمائية، ومن القلائل الذين آمنوا بالحركة السياسية للعلماء ودورهم على مستوى الامة، فكانت علاقته بالإمام الخميني (قده) والثورة الاسلامية علاقة راسخة ومن المعلوم أن الشهيد الصدر هو من كتب مسودة الدستور الايراني.. في ذكرى استشهاده نقدم لكم بعضاً من تاريخ هذه العلاقة/
يقول السيد الشهيد (قده):
“فيما مضى ـ يقصد فترة ركود الحوزة ـ كان التحسس فيما يخالف الاسلام محصورا بالآمور الضيقة والجزئية. فكان الاستنكار يحدث لرفع صوت الراديو بالغناء، مثلاً في الشوارع والاسواق المحيطة بصحن المشهد الشريف لأمير المؤمنين (ع) اما الان فقد اصبح تحسس لمرجعية والامة على مخالفات الاسلام لسلوك الحكام في سياسة الامة وارتباطهم بالمستعمر كما حصل في ايران”.
الامام الشهيد (قده) اشاد بموقف المرجعية التي وقفت الموقف الرسالي في تجسيد الاسلام من خلال الدعوة الى التحرر من الارتباط بالمستعمر وليكن الارتباط بالله وبرسالته. وقد فرح لذلك الموقف لان منهجه الذي يسعى لتطبيقه وهو النقلة النوعية التي كان يطمح اليها في بناء الحوزة العلمية، وقد هيىء الاجواء في النجف الاشرف وكانت علاقته بالامام الخميني بعد أن استقر فيها علاقة خط ومسيرة ومنهج ينبع من تصور واحد هو تحرير الأمة وحاكمية الاسلام .. ويفهم هذا من مواقفه وكثير من محاضراته الاخيرة التي ألقاها في مسجد الشيخ الطوسي (قده) في “السنن التاريخية في القرآن”، تلك المحاضرات الهادفة الى إسقاط حكم الطاغوت وإقامة حكومة الله في الارض. والتي أدت إلى القاء القبض عليه واحتجازه في داره حتى ادت الى استشهاده (قده)
الامام الشهيد (قده) وقائد الامة الامام الخميني (قده):
تعلق الشهيد (قده) بالإمام الخميني (قده) لأنه كان يتوسم به إنقاذ الامة وتحريرها، وانه قد نقل المرجعية الى موقعها القيادي الذي يعيش الالام أمته وآمالها، وهذا التحول كان هم الشهيد (قده) وخطط وعمل من أجل اجاد مرجعية قيادية، وهذا يفهم من سيرة الشهيد وفكره وتوجهاته.. فكان على اتصال دائم بالمرجعية القيادية للامة، وقد بعث برسالة الى الامام الخميني (قده) بعد هجرته من النجف الاشرف وانتقاله الى باريس (نوفل لو شاتو) عرض فيها تصوراته، والمخاض الذي تمر بها الامة الاسلامية، ووضع جميع امكانياته في خدمة الامام الخميني (قده) وقد غمرت الشهيد (قده) الفرحة الكبرى بعودة الامام الخميني الى (طهران) فارسل ببرقية يهنئوه بسلامة العودة. وعلى أمل أن يحقق الشعب المسلم بقيادتكم الحكيمة آمال المستضعفين بدولته وحكومته.
يحكى أن الشهيد (قده) دخل إلى مسجد الشيخ الجواهري لحضور درس الاصول والابتسامة والبشاشة تعلو وجهه الكريم. وما ان استقر في مكانه المتواضع لإلقاء الدرس حتى تحولت محاضرة الاصول الى محاضرة عن انتصار الثورة الاسلامية المظفرة وقال :
” الان وصلني خبر ان اخر معقل من معاقل الطاغوت قد سقط بأيدي المسلمين وان الذي حققه الامام الخميني، حلم الانبياء … ” تحول الدرس الى درس في الثورة الاسلامية ومعطياتها . وعلى امل ان تتحقق هذه الامنية في جميع العالم الاسلامي في ظل قيادة الامام الحكيمة .
وقد بعث بهذه الرسالة لى الامام الخميني (دام ظله): ” اني أكتب اليكم في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ أمتنا الاسلامية لأعبر عن اعتزاز لا حد له بما حققه المسلمون من انتصار باهر بقيادتكم الرشيدة اذ استطعتم ان تقدموا أطروحة الاسلام للعالم كله كبديل منقذ عن الحضارتين المتصارعتين يكفل للبشرية سعادتها وكرامتها وبما حققه الشعب الايراني العظيم بقيادتكم البطولية من شبح الطاغية واستعادة الامة لارادتها وكرامتها، وبما حققته الروحانية بقيادتكم المرجعية من تلاحم فريد ووحدة روحية وفكرية وعلمية لم يسبق لها نظير من تاريخ علماء الامامية. وهذه الوحدة هي سلاح الشعب والضمان الاكيد لقوته وانتصاره. وانا اذ نتطلع الى مزيد من انتصاراتكم الحاسمة نضع كل وجودنا في خدمة وجودكم الكبير ونبتهل الى المولى سبحانه وتعالى ان يديم ظله ويحقق أملنا في ظل مرجعيتكم وقيادتكم “.
وقد وجه الشهيد (قده) رسالة خاطب بها الشعب المسلم عند اختياره وانتخابه للجمهورية الاسلامية :”.. لا شك انكم باختيار الجمهورية الاسلامية منهج في الحياة واطاراً للحكم تؤدون فريضة من أعظم فرائض الله تعالى وتعيدون الى واقع الحياة روح التجربة التي مارسها النبي الاعظم (ص) وكرس حياته من أجلها وروح الاطروحة التي جاهد من اجلها الامام امير المؤمنين (ع) وحارب لحسابها المارقين والقاسطين .. وروح الثورة التي ضحى الامام الحسين (ع) حتى آخر قطرة من دمه الطاهر في سبيلها “.
وقال :” لم يكن الامام الخميني في طرحه لشعار الجمهورية الاسلامية الا استمراراً لدعوة الانبياء وامتداداً لدور محمد وعلى (ع) في اقامة حكم الله على الارض.
التلاحم بين القيادة الرشيدة وجماهير الامة:
الامام الخميني يتابع اخبار العالم الاسلامي ويعيش الامة ويخطط لإنقاذه من قبضة الاستكبار العالمي. والحوزة العلمية في النجف الاشرف والعلماء والمرجعية بصورة خاصة كانت تأخذ موقعاً اساسياً وحساساً وتحتل اولويات اهتمامات الامام القائد فما ان وصله نبأ يقول أن اية الله السيد محمد باقر الصدر يواجه ضغوطاً من حكومة البعث التكريتي، وربما يفكر في الهجرة من العراق، فابرق الامام القائد على الفور البرقية التالية:
“سماحة حجة الاسلام والمسلمين الحاج السيد محمد باقر الصدر دامت بركاته علمنا أن سماحتكم تعتزمون مغادرة العراق بسبب بعض الحوادث انني لا ارى من الصالح مغادرتكم مدينة النجف الاشرف مركز العلوم الاسلامية وانني قلق من هذا الامر. أمل ان شاء الله ازالة قلق سماحتكم .. والسلام عليكم ورحمة الله …”
(روح الله الموسوي الخميني)
وقد اجاب السيد الشهيد (قده) على هذه البرقية قائلاً :
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة اية الله العظمى الامام المجاهد السيد روح الله الموسوي الخميني ( دام ظله )
“تلقيت برقيتكم الكريمة التي جسدت ابويتكم ورعايتكم الروحية للنجف الاشرف الذي لا يزال منذ فارقكم يعيش انتصاراتكم العظيمة، واني استمد من توجيهكم الشريف نفحة روحية كما اشعر بعمق المسؤولية في الحفاظ على الكيان العلمي للنجف الاشرف واود ان اعبر لكم بهذه المناسبة عن تحيات الملايين من المسلمين والمؤمنين في عراقنا العزيز الذي وجد في نور الاسلام الذي اشرق من جديد على يدكم ضوءاً هادياً للعالم كله وطاقة روحية لضرب المستعمر الكافر والاستعمار الامريكي خاصة ولتحرير العالم كله من كل اشكاله الاجرامية وفي مقدمتها جريمة اغتصاب ارضنا المقدسة فلسطين، ونسأل المولى سبحانه وتعالى ان يمتعنا بدوام وجودكم الغالي…”.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الخامس من رجب 1399 ـ النجف الاشرف
محمد باقر الصدر
_______________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
انا لله وانا اليه راجعون
تبين ببالغ الاسف من خلال تقرير السيد وزير الشؤون الخارجية، والذي تم التوصل اليه عن طريق مصادر متعددة وجهات مختصة، في الدول الاسلامية، وحسبما ذكرته التقارير الواردة من مصادر أخرى أن المرحوم أية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وشقيقته المكرمة المظلومة والتي كانت من اساتذة العلم والاخلاق ومفاخر العلم والادب، قد نالا درجة السعادة الرفيعة على ايدي نظام بعث العراق المنحط .. وذلك بصورة مفجعة.
فالشهادة ميراث ناله أمثال هذه الشخصيات العظيمة، من أوليائهم والجريمة والظلم، أيضا ميراث يناله امثال هؤلاء جناة التاريخ من اسلافهم الظلمة.
فلا عجب، لشهادة هؤلاء العظماء، الذين أمضوا عمرا من الجهاد في سبيل الاهداف الاسلامية على يد اشخاص جناة قضوا حياتهم بامتصاص الدماء والظلم، وانما العجب، هو أن يموت مجاهدو طريق الحق في الفراش دون ان يلطخ الظلمة الجناة أيديهم الخبيثة بدمائهم.
ولا عجب ان ينال الشهادة المرحوم الصدر، وشقيقته المظلومة وانما العجب، ان تمر الشعوب الاسلامية، وخاصة الشعب العراقي . النبيل وعشائر دجلة وافرات، وشباب الجامعات الغيارى وغيرهم من الشبان الاغراء، في العراق، على هذه المصائب الكبرى التي تحل بالإسلام واهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله، دون أن تابه لذلك، وتفسح المجال لحزب البعث اللعين لكي يقتل مفاخرهم ظلما : الواحد تلو الاخر والاعجب من ذلك . هو ان يكون الجيش العراقي وسائر القوى النظامية آلة بيد هؤلاء المجرمين … وان يساعدوهم على هدم الاسلام والقرآن الكريم.
انني يائس من كبار القادة العسكريين… ولكنني لست يائساً من الضباط والمراتب والجنود، وما أتوخاه منهم.. هو ان يثوروا ابطالاً وينقضوا على اساس الظلم … كما حدث في ايران . وأما أن يفروا من معسكراتهم والا يتحملوا عار مظالم حزب البعث.
فأنا غير يائس من العمال وموظفي حكومة البعث المغتصبة.. وامل أن يضعوا ايديهم بأيدي الشعب العراقي وأن يزيلوا هذا العار عن بلد العراق.
ارجوه تعالى، أن يطو بساط ظلم هؤلاء الجناة.
وها انني أعلن الحداد العام مدة ثلاثة ايام اعتبارا من يوم الاربعاء الثالث من شهر ارد يبهشت، الثالث والعشرين من نيسان، كما اعلن يوم الخميس عطلة عامة وذلك تكريماً لهذه الشخصية العلمية ولهذا المجاهد الذي كان من مفاخر الحماة العلمية ومراجع الدين والمفكرين المسلمين.
ارجو الخالق تعالى أن يعوضنا عن هذه الخسارة الكبرى… والعظيمة للإسلام والمسلمين.
والسلام على عباد الله الصالحين.
الثاني من شهر ارد يبهشت سنة 1359