عندما انتقل الإمام الباقر عليه السلام من هذه الدنيا، كانت الأوضاع والأحوال قد تغيّرت كثيرًا لمصلحة أهل البيت عليهم السلام، إثر النّشاطات المكثّفة الّتي جرت طيلة مدّة إمامته وإمامة الإمام السجّاد عليهما السلام، وخطّة الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام الّتي كانت من الأسرار في ذلك الزّمان، أسرار مثل أن يُقال مثلًا: إنّ جابر بن يزيد الجعفيّ كان من أصحاب السرّ، تلك الأسرار الّتي لو أُذيعت في ذلك الزمان، لحلّت لعنة الله على من يُذيعها.
كانت خطّة الإمام الصادق عليه السلام هي أن يجمع الأمور بعد رحيل الإمام الباقر عليه السلام وينهض بثورة علنيّة، ويسقط حكومة بني أميّة – الّتي كانت في كلّ يومٍ تبدّل حكومة، ما يحكي عن منتهى ضعف هذا الجهاز – وأن يأتي بالجيوش من خراسان والريّ وأصفهان والعراق والحجاز ومصر والمغرب وكلّ المناطق الإسلاميّة، الّتي كان فيها شبكات حزبيّة للإمام الصادق عليه السلام، أي الشّيعة، وأن يحضر كلّ القوّات إلى المدينة ليزحف نحو الشّام ويسقط حكومتها ويرفع بيده راية الخلافة، وأن يأتي إلى المدينة ويعيد حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إليها. هذه كانت خطّة الإمام الصادق عليه السلام. لهذا، عندما كان يجري الحديث عند الإمام الباقر عليه السلام في أيّام عمره الأخيرة، ويُسأل من هو قائم آل محمّد، كان ينظر إلى الإمام الصادق عليه السلام ويقول: كأنّني أنظر إلى قائم آل محمد هذا. وقد كان من المقرّر للإمام الصادق عليه السلام أن يكون قائم آل محمّد في ذلك الزمان.
لقد كان الإمام الصّادق عليه السلام رجل الجهاد والمواجهة، ورجل العلم والمعرفة، ورجل التنظيم والتشكيلات. الكثير عن علمه، ومحافل دراسته وميادين تعليمه الّتي أوجدها، لم يكن لها نظير، لا قبله ولا بعده في تاريخ حياة أئمّة الشّيعة، فلقد بيّن الإمام الصّادق عليه السلام كلّ ما ينبغي أن يُقال بشأن المفاهيم الإسلاميّة الصّحيحة، والقرآنيّة الأصيلة الّتي تعرّضت للتّحريف طيلة قرنٍ ونيّف من الزمان بواسطة المغرضين والمفسدين، أو الجاهلين، وهذا الأمر هو الّذي أدّى إلى أن يشعر العدوّ بخطره.
لقد كان الإمام الصادق عجل الله تعالى فرجه الشريف مشغولًا بجهادٍ واسع النّطاق من أجل الإمساك بالحكومة والسّلطة، وإيجاد حكومةٍ إسلاميّة وعلويّة، أي أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان يُهيّئ الأرضيّة للقضاء على بني أميّة، والمجيء بحكومة علويّة، أي حكومة العدل الإسلاميّ. فهذا ما يتّضح من حياة الإمام الصادق عليه السلام لكلّ من يُطالع ويُدقّق.