إنّ شعباً رجاله يستشهدون في الجبهات، ويظهرون بهذه القوّة من خلال وصاياهم، وإنّ شعباً جعل من المساجد خنادق له، وتجهّز وتعبّأ ولم يخف أيّ دبّابة أو رشّاش عندما كانت جميع القوى، وخصوصاً الشيطانيّة، في الساحة، هو يفتخر بالشهادة ولا يخافها أبداً.
* لا قلق مع الشهادة
لا خوف على شعب يعمل لأجل الهدف، وهو مستعدّ لأداء واجبه الشرعيّ. إنّ الإسلام أمانة وصلتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعلينا أن نحفظها وألّا نخونها. إذا كنّا مسؤولين أمام أمانة كهذه، فإنّ من واجبنا أن نؤدّيها سالمة وقويّة إلى الأجيال القادمة. فلماذا يساورنا القلق ونحن نقوم بواجبنا؟
إنّنا إذا استشهدنا نكون قد رفعنا قيود الدنيا من أمام الروح، وبلغنا الملكوت الأعلى وجوار الحقّ تعالى، لماذا نقلق؟
هل الشهادة تثير القلق؟ إنّ أصحابنا الذين استشهدوا هم في جوار رحمة الحقّ، فلماذا الحزن عليهم؟
إنّ هذه الملايين من أفراد الشعب عاقدة العزم. إنّ هذه الملايين فيها الأمّهات اللاتي عندما يستشهد أولادهنّ يأتينني ويطلبن منّي السماح لباقي أولادهنّ بالذهاب إلى الجبهة، ويأتيني الشيخ فيقول: «لقد استشهد أحد أبنائي، وابني الآخر يبكي لأنّه مُنع من الذهاب إلى الجبهة». لا قلق على مثل هذا الشعب.
* الإسلام أغلى من كلّ شيء
إنّنا أتباع أولئك الرجال الذين تحدّث عنهم التاريخ. تذكر الروايات أنّ سيّد الشهداء عليه السلام كان كلّما يقترب من الشهادة في يوم عاشوراء، يزداد وجهه تلألؤاً وإشراقاً. كان شبّانه يتسابقون لأجل الشهادة، ويعرفون بأنّهم سيستشهدون بعد ساعات عدّة، ويدركون إلى أين هم ذاهبون وأنّهم قد أتوا لأداء الواجب الإلهيّ وحفظ الإسلام الذي هو أغلى من كلّ شيء.
يجب أن نسير بقوّة إلى الأمام وأن نواجه العدوّ الذي أصبح ضعيفاً. على شعبنا أن يكون ثابت القدم سائراً إلى الأمام، وهو كذلك، وسيقدّم الإسلام إلى العالم جميعاً.
لقد قام هؤلاء المجاهدون بواجبهم واستشهدوا، رحمهم الله جميعاً، ونحن باقون، فما واجبنا؟
في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء الطفيليّون بالأعمال التخريبيّة، لدينا واجبات كثيرة. وأنتم السادة العلماء ورجال الدين، فإنّ واجباتكم ومسؤولياتكم أكثر، لأنّكم بمكانتكم وطريقة حياتكم تُظهرون للآخرين أنّنا نمثّل الإسلام والأنبياء، وهذا واجب خطير جدّاً. لو أنّنا- لا سمح الله- ارتكبنا خطأً ما، فإنّ ذلك يحسب على مندوب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام. لذلك، إنّ سمعة الإسلام بأيديكم.
* مؤامرة العدوّ لعزل رجال الدين
إنّكم تعلمون بأنّ ثمّة محاولات منذ البداية لإبعادكم عن الشعب ومنعكم من العمل، على الأقلّ في المؤسّسات التنفيذيّة أو التشريعيّة، لأنّهم أدركوا جيّداً أنّ دخول شريحة رجال الدين في الساحة السياسيّة بقاعدتها الشعبيّة العريضة ستجعلهم يخسرون كلّ شيء. فماذا عليهم أن يعملوا؟ عليهم أن يطرحوا بشكلٍ عامّ الفكرة القائلة بعدم صلاحيّة رجال الدين للتدخّل في السياسة، وأنّ على رجل الدين أن يرتدي عباءته، ويذهب لأداء صلاة الظهر في موعدها، ثمّ يصعد المنبر ويطرح بعض الأحكام الفقهيّة، ولا يحقّ له الحديث عن السياسة وما يرتبط بمصائب الشعب. لدرجة أنّ منزلة أهل العلم كانت تتحدّد بمدى جهلهم للسياسة، فإذا كان أحد السادة لا يفهم شيئاً في السياسة، فإنّه كان يعدّ من الأخيار.
لقد فرض علينا الشياطين هذه الفكرة ولم يسمحوا لنا بمعرفة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام لنعرف كيف كانت ظروفهما. هل كانا لا يتدخّلان في السياسة؟
لقد قضى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام عمرهما كلّه في السياسة الإسلاميّة، إلى أن أسّسا الحكومة الإسلاميّة. وكان أمير المؤمنين عليه السلام يبعث بحكّام إلى أطراف الدولة. ألم يكن ذلك كلّه سياسة؟
هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في زاوية من مسجد المدينة ويتحدّث عن الأحكام الفقهيّة؟ هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يرتدي عباءته للذهاب إلى المسجد للصلاة ليعود إلى منزله ويطالع؟ أم أنّهما كانا يتدخّلان في السياسة منذ البداية؟
لقد روّج الأعداء أنّ التدخّل الاجتماعيّ والسياسيّ لا يليق بقدسيّة العلماء. ألم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وسيّد الشهداء وبقيّة الأئمّة عليهم السلام قدسيّة؟ لقد كان هؤلاء وما زالوا يريدون أن يجعلونا نغفل عن الحقيقة. لقد رأوا أنّ هذا التيّار يسير نحو الأمام منذ بداية النهضة، فسعَوا دوماً أن يهمّشوا العلماء.
لذلك، على رجال الدين الحضور المستمرّ في الساحة، ولا يجوز لهم التنحّي جانباً.