لكلِّ شيء آفة، والعلة في ذلك أن كل شيء يكون سليماً صالحاً، لا بد أن يعرض عليه ما يفسده، إذ لا دوام لشيء في الدنيا، لأن الدنيا ذاتها زائلة غير دائمة، فكل ما فيها معرض للنقص والفساد والتَّلَف، وهذا أمر مشهود للبشر لا يحتاج إلى استدلال عليه.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِكُلِّ شَيْءٍ آفَةٌ، وَآفَةُ الْخَيرِ قَرينُ السّوْءِ”.
الآفَة: العاهَة، وكل ما يعرض على الشيء فيفسِده، من عاهة، أو جائحة، أو مرضٍ، أو قحط، فهو آفة، وجمعها آفات.
ولكلِّ شيء آفة، والعلة في ذلك أن كل شيء يكون سليماً صالحاً، لا بد أن يعرض عليه ما يفسده، إذ لا دوام لشيء في الدنيا، لأن الدنيا ذاتها زائلة غير دائمة، فكل ما فيها معرض للنقص والفساد والتَّلَف، وهذا أمر مشهود للبشر لا يحتاج إلى استدلال عليه.
والآفات على قسمين:
فقسم: لا يمكن الوِقاية منه، وهو الآفات الجبرية التي لا يملك الإنسان حيالها إلا التسليم لها، مثل الموت، والمكاره التي تعصف بالإنسان في الدنيا، والأحزان التي تأتيه على حين غفلة منه، وسوى ذلك من الأمور.
وقسم آخر: يمكن توقعه وتلافيه والوِقاية منه، وذلك متوقِّف على إرادة الإنسان وسعيه، ومنها الآفة التي ذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: “لِكُلِّ شَيْءٍ آفَةٌ، وَآفَةُ الْخَيرِ قَرينُ السّوْءِ” ففي إمكان المَرء أن يتوقّى مقارنة الشخص السَّيِّء فكرياً وسلوكياً، وأن يجتنب صحبته ومجالسته، وأن يختار لنفسه قُرَناء مؤمنين صالحين يعينونه على الصلاح، وينصحونه، ويأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر.
وإنّما كان قرين السُّوء آفة لأن الشخص يتأثر بقَرينه سلباً أو إيجاباً، وهذا أمر لا جدال فيه، فإن كان القرين صالحاً جذب مقارنه إلى الصلاح، وإن كان سيِّئاً جذب قرينه إلى السوء.
ولذلك تؤكد جميع المدارس التربوية والأخلاقية على ضرورة اختيار الصديق الصالح، واجتناب الصديق والقرين السيّء، والقرآن الكريم أكثر من التنبيه إلى هذا الأمر بالدعوة إليه تارة، وبعرض نماذج واقعية حَيَّة عن تأثير القرين على قرينه، ويكفي أن أذكر لك نموذجين اثنين:
النموذج الأول: ما ذكره القرآن الكريم بخصوص العاقبة السيئة التي تنتج عن مقارنة أهل السوء، حيث قال تعالى: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿27﴾ يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿28﴾ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴿29/ الفرقان﴾ وإنما يعضُّ الظالم على يديه يداول بينهما تارة يعض على هذه وتارة أخرى يعض على تلك، فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها كأبلغ تعبير فعلي عن الحسرة والندامة، فهو يرى هول ما جنته عليه صحبته، وسوء ما جَرَّته إليه مقارنته، فقد أودت به في الضلال، والضلال من أعظم درجات الظلم للنفس التي خلقها الله لتكون من أهل السعادة في الدنيا والآخرة فإذا بالضلال ينتهي بها إلى الشقاء فيهما.
النموذج الثاني: ما جاء في قوله تعالى: “فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿50﴾ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿51﴾ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿52﴾ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿53﴾ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴿54﴾ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴿55﴾ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿56﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿57/ الصافات﴾ إن الآيات الشريفة تعرض لنا مشهداً من مشاهد الآخرة، ومثله يكون في الدنيا كثير، مشهد جَمْعٍ من الناس يجلسون مُقْبِلٌ بعضهم على بعضهم الآخر، يتساءلون فيما بينهم عمَّا كان من ماضي كلِّ واحدٍ منهم، فينطلق أحدهم للحديث عن صاحب له في الدنيا كان يكذِّب باليوم الآخر، ويسائله في تعجُّبٍ: أهو من المصدقين بأنهم مبعوثون ومحاسبون بعد إذْ هم تراب وعِظام، وبينما هو يعرض قصته على جلسائه يخطر له أن يتطلَّع إلى صديقه ذاك عالما أنه قد أضحى من أهل الجحيم، فيتطلَّع ويدعو إخوانه إلى التطلُّع إليه، ثم يتوجَّه إليه قائلاً له: لقد كِدتَ تُوردني موردك هذا، مورد الردى والخِزي، لولا أن الله قد أنعم عَلَيَّ فعصمني من الاستماع إليك والتأثُّر بك.
وإذاً: فإن صديق السوء، وخليل السوء، وقرين السوء هو الآفة التي تمنع المرء من الخير، وسلوك صراط الخير، وتدعوه إلى الشر، وتجلبه إليه. وعلى العاقل أن يحذر هذه الآفة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي