القيم الإنسانية التي أفرزتها عاشوراء الحسين (عليه السلام)
عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام)، ليست مجرّد حدث تاريخي، بل هي مدرسة للعديد من القيم الإنسانية النبيلة التي تستمر في إلهام الأجيال؛ تلك القيم لم تقتصر على زمان دون آخر، أو مكان دون غيره، بل تجاوزتهما لتصبح تراثاً عالمياً ثريّاً مليئاً بالعبر والدروس، ولعلّ من أهمّ هذه القيم:
– الصبر والثبات: فقد واجه الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الأجلّاء (عليهم السلام) أصعب الظروف وأشدّ التحديات بصبر وعزيمة لا مثيل لهما، مقدّمين أرواحهم ودماءهم دفاعاً عن القيم والمبادئ، والصلاح والإصلاح.
– الشجاعة والبطولة: وقف الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه (عليهم السلام) -مع قلّتهم- بوجه جيش جائر جرّار مدجّج بانواع السلاح، دون خوف أو تردّد، مُظهرين شجاعة استثنائية، متسلّحين بالتقوى والإيمان.
– الإيثار والتضحية: ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه النبلاء (عليهم السلام) بالنفس والنفيس؛ من أجل مقارعة الظالمين ونصرة المظلومين وإعلاء كلمة الحقّ وإدحاض كلمة الباطل، وكل واحد منهم يُؤثر على نفسه ويضعها رخيصة بين يدي إمامه، فهم يُؤثرون الموت الكريم على الحياة البائسة الذليلة، ومن أبرز صور الإيثار يوم عاشوراء؛ إيثار أبي الفضل (عليه السلام) حينما امتنع عن شرب الماء، وهو في وسط الفرات!
– التواضع والمساواة: تعامل الإمام الحسين (عليه السلام) مع جميع أصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) بمساواة وتقدير عظيمين، من دون تمييز أحد على أحد، حتى إنه ضحّى بأهل بيته مثلما ضحوا أصحابه بأنفسهم دونه وأهل بيته (عليهم السلام)، وهو (عليه السلام) لا شك لاحق بهم.
– الوفاء بالعهد: حافظ الإمام الحسين (عليه السلام) على عهده وبيعة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، رافضاً الذلّ والخضوع للظلم والفساد، طالباً الإصلاح في أمة جدّه (صلى الله عليه وآله).
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: سعى الإمام الحسين (عليه السلام) بكل جهده لإصلاح المجتمع ونشر القيم الأخلاقية والمبادئ السامية، ولم يأل جهداً حتى في ساعته الأخيرة في تلك الظهيرة، وهو ينادي: «اتقوا ناراً وقودها الناس والحجارة».
– الحرية والكرامة: رفع الإمام الحسين (عليه السلام) شعار «هيهات منّا الذلة»، مؤكداً أن الحرية والكرامة لا يمكن المساومة عليهما، هذه الرسالة تبقى منارة للأجيال في الدفاع عن حرياتهم وكرامتهم.
– الحب والولاء: كان حب الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه وأهل بيته واضحاً جلياً في كل مواقفه، هذا الحب كان مصدر قوة وإلهام لهم في مواجهة المحن، وهم بدورهم قد عبّروا عن حبهم له بولائهم وتفانيهم، إيماناً منهم بقضيته واستعدادهم للتضحية في سبيلها.
– العفّة والحياء: من أجلى الصور التي حافظ عليها الإمام الحسين (عليه السلام) هي العفّة والحياء، ومن أبرز صورها حينما حال جيش ابن سعد بينه وبين رحله فصاح بهم: «ويحكم، يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون».
فناداه شمر فقال: ما تقول يا حسين؟!
فقال: «أنا الذي أقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وطغاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حياً» (مناقب آل أبي طالب: ج4/ص110)..
هذه القيم الإنسانية التي أفرزتها عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) تبقى دروساً أبديةً لكل محبّ وموالي للإمام الحسين (عليه السلام)، تُترجم بالالتزام بالمبادئ والوفاء للقيم وعدم التنازل عنها أبداً، ولا بد من أن تؤثّر بشكلٍ إيجابي على المجتمعات -خاصة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)- فتسهم في نشر الوعي والثقافة الحسينية، حيث إن عاشوراء تُلهم الأجيال الشابة وتُعزّز لديهم القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، مما يضمن بناء مجتمع واعٍ ومثقف بالثقافة العاشورائية.
إذ لا بد من أن تُطبّق هذه القيم في حياتنا، ولا تكن مجرّد شعارات وهتافات نطلقها هنا وهناك من غير أن تجد أثرها البالغ في سلوكياتنا وأخلاقنا وتعاملاتنا، فالإمام الحسين (عليه السلام) ضحّى ما ضحّى في سبيل إرساء هذه القيم وتأخذ حيّزها في حياتنا، حتى نكون بحق من الممهدين لدولة الحق المنتظرة، دولة الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.