إن التَّخَلُّق بأخلاق الله تعالى هو الكمال الحقيقي من وجهة نظر الدين سيما الإسلام، لأن الكمال الحقيقي هو لله تعالى، والله سبحانه هو منبع كل كمال وجودي، وقد تجلَّى الله لخلقه بصفاته وأسمائه الحُسنى، ولذلك عندما وصف الله عَزَّ وَجَلَّ كمالات رسول الله (ص) كلها قال: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿4/ القلم﴾.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ تُدْرِكَ الْكَمالَ حَتّى تَرْقى عَنِ النَّقْصِ”.
الرغبة في الكمال من أهم الرغبات لدى الإنسان، إنه ليقضي حياته إلى آخر لحظة منها راغباً به وباحثاً عنه، لذا تراه كُلّما وجد كمالاً سعى إليه، وكلما وجد جديداً أحب أن يحوزه، وإن عجز عن حِيازته فلا يزهد به بل يظلُّ يُمَنِّي نفسه بالحصول عليه، وهذا أمر معلوم بالوجدان فلا يحتاج إلى سَوْقِ أدلة عليه.
المُهِمُّ في الأمر أن تعرف قارئي الكريم أن هذه الرغبة في الكمال هي التي تقف وراء كل سَعي يسعاه الإنسان في الحياة، وهي منشأ كل نُمُوٍّ وتطوُّرٍ وتقدُّمٍ في جميع الميادين، فلولاها لبقي على حالته الأولى التي عاشها حين استخلفه الله في الأرض.
ولَمّا كان الإنسان يتشكل من بعدين: بعد مادي وبعد معنوي، وكانت حاجاته أيضاً ذات بعدين: حاجات مادية وحاجات معنوية، كان الكمال الذي يرغب به مستوعباً لذلكما البعدين، فهو يرغب بالكمال في كليهما، المادي، تراه يبحث عن كل ما يراه كمالاً فيهما، ولا يألو جهداً في سبيل ذلك، يستنفر كل طاقاته، ويبذل الغالي والنفيس، بل يخوض الغمرات ويواجه الصعوبات، ويتخطّى كل المعوقات من أجل ذلك.
والحَقُّ أن رغبة الإنسان في الكمال المعنوي لا يقل عن رغبته في الكمال المادي، بل يمكننا القول: إنه يطلب الكمال المادي كمقدمة لكماله المعنوي المتمثل بالراحة، والطمأنينة، والأمان، والمنزلة الاجتماعية، والسعادة، والرِّضا.
ثم إن رغبة الإنسان بالكمال لا تعني اتفاق بني البشر على الكمال، فإنهم مختلفون في مفهوم الكمال من جهة، ومختلفون في مصاديقه من جهة أخرى، ولهذا نرى أن لكل فرد منهم كماله الذي يبحث عنه، لذا كان على الدين أن يتدخل ليحسم الأمر ويحدَّد المفهوم الحقيقي للكمال، ودور الدين في هذا المجال ضروري ولا يمكن إغفال النظر عنه بحال من الأحوال، لأن الله تعالى هو خالق الإنسان، وهو الذي أوجد فيه تلك الرغبة، وكل رغبة في الإنسان لها ما يحققها حقيقة في الواقع الخارجي، وبكلمة أخرى: إن وجود الكمال الحقيقي هو منشأ الرغبة فيه، والكمال الحقيقي لا يعلمه إلا خالق الإنسان العليم بحاجاته والعليم ببعديه المادي والمعنوي.
إن التَّخَلُّق بأخلاق الله تعالى هو الكمال الحقيقي من وجهة نظر الدين سيما الإسلام، لأن الكمال الحقيقي هو لله تعالى، والله سبحانه هو منبع كل كمال وجودي، وقد تجلَّى الله لخلقه بصفاته وأسمائه الحُسنى، ولذلك عندما وصف الله عَزَّ وَجَلَّ كمالات رسول الله (ص) كلها قال: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿4/ القلم﴾.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الطريق لبلوغ ذلك الكمال؟
هنا طرق ثلاثة مجتمعة لا يُستَغنى عنها:
الطريق الأول: تزكية النفس وتهذيبها، وتخليتها من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، ومعالجة نقائصها، ولهذا كانت مهمة الدين تزكية النفوس وتهذيبها، قال تعالى: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿2/ الجمعة﴾.
الطريق الثاني: هو العلم والمعرفة، وهو ما أشارت إليه الآية المتقدمة، فلا كمال دون علم ومعرفة، سواء كانت معرفة كسبية، أو معرفة إلهامية.
الطريق الثالث: الالتزام بالعبادات التي قررتها الشريعة الغرّاء، فإن كل العبادات تهدف إلى بناء إنسانٍ أخلاقي كامل. وهذا ما يتضح لقارئي الكريم إذا ما قام بمراجعة الآيات الكريمة التي أمرت بإقامة تلك العبادات.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي