مِمّا لا شكَّ فيه أن الشَّك مُتعِبُ ومهلِك للشخص المُبتلى به، يُهلِك نفسه، ويُتعِب بدنه، ويحول دون نجاحه في تكوين علاقات اجتماعية طبيعية، كما يحول بينه وبين النجاح في أعماله، ويُهلِكُ دينه إذا كان شكاً في الدين إذ يؤدي به إلى الضلال والكفر.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ يَضِلَّ الْمَرْءُ حَتّى يَغْلِبَ شَكُّهُ يَقينَهُ”.
الشَّكُّ: التَّرَدُّدُ بين شيئين، تقول: شَكَّ في الأَمْرِ، أيْ: تَرَدَّدَ فيه بين شَيْئَيْنِ، وهو خلافُ اليقينِ. ويُطْلَقُ بِـمعنى الاِلْتِباسِ، يُقال: شَكَّ في الأَمْرِ: إذا الْتَبَسَ عليه ولمْ يَتَّضِح له. ومِن مَعانِيهِ أيضاً: الاِضْطِرابُ والحَرَجُ والخَرْصُ والتَّخْمينُ، وجَمْعُهُ: شُكوكٌ.
والشَّكُّ قد يكون عادياً إذا نشأ من مناشئ عقلائية كما لو تردد بين شيئين، ومنه ما يحدث للمصلي عادة من الشك في ركعات الصلاة كالذي يشك أنه في الركعة الأولى أو الثانية مثلاً وقد قرَّرت الشريعة الإسلامية الغرّاء علاجاً لهذا النوع من الشكوك.
وقد يكون الشَّكُّ مَرَضياً وقد أطلقت عليه الشريعة الإسلامية على المبتلى به وصف “كثير الشك” وقرَّرت له علاجاً وهو عدم الاعتناء بشكه، فإن مَرَض الشَّك يُعَدُّ أحد الاضطرابات السلوكية التي تصيب بعض الأشخاص، فما هي طبيعة هذا المرض؟
يقول المتخصصون: غالباً ما تظهر أعراض مميزة على الأشخاص المصابين بمرض الشك، مثل: جنون العظمة، وانعدام الثقة، والشك في العديد من الأشياء والتصرفات بدون أي سبب واضح، وتُعَدُّ الأسباب وراء الإصابة بمرض الشك غير واضحة وغير معروفة، ولكنها قد ترتبط بالجينات المتوارثة، حيث تُعَدُّ الإصابة بالمرض مرتبطة بالعائلات التي تتوارث أمراض الاضطرابات الذهانية، مثل: الفصام.
أما عن أعراض الشك المَرَضي فيقول المتخصصون: غالباً ما يكون الأشخاص المصابين بمرض الشك في وضعية الدفاع طوال الوقت ويعتقد هؤلاء بأن جميع الأشخاص يكيدون لهم ويعقدون لهم المؤامرات ويحاولون إيذائهم، وتنتابهم مشاعر غير صحيحة ويقومون بلوم غيرهم والشك فيهم بسبب ذلك، ويتحسسون من أي كلام يقال لهم، أو نقد يوجَّه إليهم، ويظنون بالمواقف البريئة ظناً سيّئاً، ويتصوفون بالعدوانية وكثرة الجدل.
وهناك شكٌّ أخر يسمى بالشَّك المَنهجي، وهو منهج يفرضه الباحث، أو الفيلسوف بمحـض إرادتـه لاختبار ما لديه من معارف ومعلومات محاولاً بذلك تطهير عقله من كل ما يحويه من أكاذيب، ومغالطات، وتدريبه على تكـوين مَلَكـة النقد والتحليل من أجل مناقشة المبادئ الأولية السابقة للوصول إلى مبادئ أولية أخرى واضحة، ومميزة بحيث يقيم عليها قضايا يقينية، فالشك بهذا المعنى يقود إلى اليقين بالضرورة.
أما اليقين فهو: طمأنينة القلب، واستقرار العلم فيه، بحيث لا يتطرَّق إليه شَكٌّ. واليقين الذي هو أعلى درجات الإدراك، هو في نفسه ثلاثة أنواع: عِلم اليَقين، وعَين اليَقين، وحق اليَقين.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن الشَّك مُتعِبُ ومهلِك للشخص المُبتلى به، يُهلِك نفسه، ويُتعِب بدنه، ويحول دون نجاحه في تكوين علاقات اجتماعية طبيعية، كما يحول بينه وبين النجاح في أعماله، ويُهلِكُ دينه إذا كان شكاً في الدين إذ يؤدي به إلى الضلال والكفر، وهذا معنى كلام الإمام أمير المؤمنين (ع): “لَنْ يَضِلَّ الْمَرْءُ حَتّى يَغْلِبَ شَكُّهُ يَقينَهُ” ولذلك يجب على المرء إذا ما انتابه شَكٌّ في قضية من قضايا الدين أن يسارع إلى البحث فيها والنظر إليها من جميع الجهات، والسؤال مِن شخص قادر على الإجابة على أسئلته حتى يتمكن من أزالتها بالكليِّة، لأنها إن بقيت في ذهنه ولم يبحث عن حَلٍّ لها فإنها ستستدعي المزيد من الشكوك إلى أن تقضي على دينه.
وجميعنا نعلم أن أول ما يبادر إليه المناوئون للدين هو إثارة الشكوك في ذهن المُتدين ويُلبِسون تلك الشكوك لَبوس الحقيقة العلمية التي لا يمكن دفعها، بحيث يندفع المُتلقي إلى الاستسلام لها والتعامل معها على أنها حقيقة لا تقبل النقض، فيكون ذلك بداية مساره إلى الضلال والضياع.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي