Search
Close this search box.

العِفَّة علامة من العلامات الأساسية للإنسان المؤمن

العِفَّة علامة من العلامات الأساسية للإنسان المؤمن

قد جعل الدين العِفَّة علامة من العلامات الأساسية للإنسان المؤمن، واعتبر العفاف من أفضل مصاديق العبادة، وأنه شيمة العاقل الكَيِّس الفَطِن، وأنه راس كل خير، وأفضل شِيَم الأشراف، ولا يكون الإنسان من أهل الخير إلا إذا كان عفيفاً.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ مَعَ الشَّرِّ عَفافٌ”.
العَفافُ، والعِفَّةُ: الكَفُّ والاِمتِناعُ عن القَبيحِ، يُقال: عَفَّ عَنِ الحرامِ، أي: كَفَّ وتَرَكَ ما لا يَنبغي مِن القَبائِحِ. وأصلُها: قِلَّةُ الشَّيْءِ.

وتأْتي بِمعنى الصَّبر، يُقال: عَفَّ الرَّجُلُ: إذا صَبَر. وتُطلَق على الطَّهارَةِ والنَّزاهَةِ عن الشَّيءِ، تَقُول: عَفَّ فُلاَنٌ عن سُؤالِ النَّاسِ، أي: تَنَزَّهَ عَنهُ ولم يَفعَلهُ، والعَفِيفَةُ: الطّاهِرَةُ المَصُونَةُ عن الفَواحِشِ. ومِن مَعانِيها أيضاً: الحَصانَةُ، وحِفظُ الفَرجِ.

تُقسَّم العفّة على نوعين رئيسَين، وبهما يمكن تمييز الشخص الملتزم أخلاقياً عن سواه من الناس.

النوع الأول: العفّة عن المحارم، ويُقصد بها الكف عمّا حرَّمه الله من محارم، ومنها حُرُمات الناس، من حُرمة دمائهم، وحُرمة أموالهم، وحُرمة أعراضهم، فهذه جميعا يجب أن تكون مَصونة من أن يُعتَدى عليها، وقد أحاطها الله تعالى في شريعته بسياج متين من الحُرمة، ومنع من التَّعدّي عليها بأي حال من الأحوال، إلا أن يكون المرء معتدياً يريد القتل، أو قاتلاً قد قتل نفساً مُصانة الدم فيُقتَصُّ منه، أو سارقاً أو غاصباً فيُقتَصُّ منه المال الذي سرقه، أو الشيء الذي اغتصبه، أما عِرضه فمصانٌ على كل حال، وهذه العفّة نوعان عند العلماء:

الأول: ضبط الفرج عن الحرام، أي: عدم الاقتراب الفعلي من الحرام سواء بالزنا أو ما قاربه من المحرّمات.
والثاني: كفّ اللسان عن الأعراض، أي: من الفحش والتفحش بالكلام كالغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس، وغير ذلك.

النوع الثاني: العفّة عن المآثم والمعاصي، وهي نوعان:

الأول: الكف عن المجاهرة بالظلم، أي: الكف عن ظلم الناس جهاراً نهاراً، وعدم الخوف من الله تعالى عند ظلم الناس، وعدم الاعتراف بظلمهم مع علم الظالم في سريرة نفسه أنّه ظالم.

والثاني: كفّ النفس عن الإصرار على الخيانة، سواء كان ذلك في الظاهر أو الباطن، في الظاهر أمام الناس، وفي الباطن في سريرة نفسه.

ويقول العلماء: إن العفَّة قد تكون حقيقية وهي مطلوبة على كل حال، وقد تكون مُخادعة، كأن يتعفَّف المَرءُ عن الشيء انتظاراً لأكثر منه، أو يتعفَّف عنه لأنه لا يحبِّه، أو لجمود شهوته، أو لأنه ممنوع عنه وقاصر عن الوصول إليه، أو لأنه جاهل به.

والعِفَّة شأنها شأن بقية الفضائل يمكن أن تقوى في المرء ويمكن أن تخفَّ، كما يمكن أن يكتسبها المرء بتزكية نفسه، والاطلاع الكافي على سلبيات عدم العِفَّة، وكلّما قوِيَ إيمان المرء فالمفروض أن تقوى فضيلة العِفَّة في نفسه.

وقد جعل الدين العِفَّة علامة من العلامات الأساسية للإنسان المؤمن، واعتبر العفاف من أفضل مصاديق العبادة، وأنه شيمة العاقل الكَيِّس الفَطِن، وأنه راس كل خير، وأفضل شِيَم الأشراف، ولا يكون الإنسان من أهل الخير إلا إذا كان عفيفاً.

وبهذا يتَّضح لنا معنى ما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع): “لَيْسَ مَعَ الشَّرِّ عَفافٌ” فالعفاف لا يمكن أن يكون مع الشر، ولا يكون من الشخص الشرير، فالعفاف هنا يمثِّل القِيَم الأخلاقية العالية التي تتناقض تمامًا مع الشر، وهكذا الحال في جميع الفضائل الأخلاقية.

في الحياة اليومية، يمكننا أن نرى مصاديق كثيرة لهذه الجوهرة في العديد من المواقف، فعلى سبيل المثال، في بيئة العمل، لا يمكن أن تتواجد النزاهة مع الفساد، الشخص النزيه لا يمكن أن يعمل في بيئة فاسدة دون أن يتأثر سلباً.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل