إن الظنُّ درجة من درجات العلم، هو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً. أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضاءُ عَلى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ”.
عِلم الإنسان بالشيء ذو مراتب:
المرتبة الأولى: أن يكون يقينياً، واليقين هو الاعتقاد الجازم الذي لا يتزعزع، وهو أعلى درجات العلم، ويعتبر من أهم القيم الروحية والأخلاقية، وله ثلاث مراتب:
علم اليقين: وهو المعرفة النظرية الأكيدة بالأشياء، والتي قامت عليها البراهين القاطعة.
عين اليقين: وهو رؤية الأشياء بوضوح كمن يرى النار بعينيه، أو يشاهد الشمس في النهار.
حقُّ اليقين: وهو التجربة العملية والمعايشة الحقيقية للأشياء، كمن يُدخِلُ يده في النار.
ويعتبر اليقين الأساس الأقوى والأمتن للعلم بالأشياء، كما يعتبر الأساس الأقوى للإيمان الثابت المستقر.
المرتبة الثانية: أن يكون ظنّياً، والظَّن حالة وُسطى بين اليقين والشكِّ، وهو الاعتقاد بشيء بناءً على أدلَّة غير قطعية، ويعتبر الظنُّ مَذموماً إذا كان مبنياً على معلومات غير مؤكَّدة، ويؤدي إلى الحكم الخاطئ على الأمور أو الوقائع أو الأشخاص، ويمكن أن يكون الظنُّ إيجابياً إذا كان مبنياً على أدلة قوية ولكنها لم تصل إلى حد أن تكون يقينية.
فالظنُّ درجة من درجات العلم، هو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً. أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً.
وقد استُعْمِلَ الظنُّ في القرآن الكريم في عدة معانٍ:
الأول: بمعنى اليقين، كقوله تعالى: “وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿28/ القيامة﴾
الثاني: بمعنى الشك، كقوله تعالى: “وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿78/ البقرة﴾.
الثالث: بمعنى التُّهْمَة، ومنه قوله تعالى: “…الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ…” ﴿6/ الفتح﴾.
الرابع: بمعنى الوَهْم والتَّوَهُّم، ومنه قوله تعالى: “…إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴿32/ الجاثية﴾. أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً.
الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: “وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴿5/ الجِنّ﴾ أي حَسِبْنا أن لن تقول بنو آدم والجِنّ على الله كَذِباً.
السادس: الاعتقاد الخاطئ، ومنه قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ…” ﴿12/ الحُجُرات﴾.
وعلى ضوء ما تقدم من معاني الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المُراد من لفظ (الظن)، أهو اليقين؟ أم الشك؟ أم التُّهمة، أم التوهم؟ أم الحسبان، أم الاعتقاد الخاطئ.
المرتبة الثالثة: أن يكون شكاً، والشَّك هو التَّرَدُّدُ بين أمرين دون ترجيح أحدهما على الآخر، ويعتبر الشك مرحلة طبيعية في البحث عن الحقيقة، ولكن يجب أن يكون مُؤَقَّتاً ومرحلة على طريق الوصول إلى مرتبة اليقين، فإذا كان دافعاً للبحث والتفكير العميق والتحقيق الجادّ كان مفيداً بلا شَكّ، ولكنه يصبح مَذموماً إذا أدّى إلى التَّرَدُّد الدائم وعدم الاستقرار.
مِمّا سبق يتبين لنا مراد الإمام أمير المؤمنين (ع) من قوله: “لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضاءُ عَلى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ” فالعدل هو أحد أهم القيم، وهو مطلوب في جميع جوانب الحياة، سواء في الحُكم، أو في التعاملات اليومية، أو الحُكم على الأمور، فالحكم على الأشخاص أو الأحداث والأمور بناءً على الظَّنِّ والتخمين بدلاً من الأدلة القاطعة ليس من العدل في شيء، الحكم الناشئ من الظَّنّ غالباً ما يؤدي إلى الظلم وإلحاق الأذى بالآخرين، وفقدان الثقة بالآخرين، وفيما بين الناس، وهو ما يتنافى مع مبادئ العدل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي