Search
Close this search box.

لَيْسَ فِي الْبَرْقِ اللاّمِعِ مُسْتَمْتَعٌ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ

لَيْسَ فِي الْبَرْقِ اللاّمِعِ مُسْتَمْتَعٌ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ

يؤكِّد الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته على حقيقة مهمَّة مفادها أن الشخص الذي يعيش في الظلام أو الجهل لا يمكنه أن يستمتع أو يستفيد من الضوء الساطع (البرق اللامع).

ورُوِيَ عنالإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ فِي الْبَرْقِ اللاّمِعِ مُسْتَمْتَعٌ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ”.
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طيّاتها معانٍ عَميقة تعبِّر عن حال الضَّالِّ التَّائِه والضَّائع الحائر، الذي يتخبَّط في تفكيره، أو الذي لا يعرف ماذا يريد، أو الذي اختار لنفسه عقيدة غير متماسكة قد يجد فيها جواباً لسؤال من أسئلته الوجودية الكبرى ولكنها تفتقر إلى الإجابة عليها جميعاً، أو الذي يسلك في الحياة مسلكاً قد يغذي بعض حاجاته المعنوية ولكنه لا يغذيها كلها. أو ذاك الشخص الغارق في الجهل لا يعرف أن يُمَيِّز بين الصحيح والخطأ من الأمور، وبين ما هو حَسَنٌ وما هو قبيحٌ.
يؤكِّد الإمام أمير المؤمنين (ع) في جوهرته على حقيقة مهمَّة مفادها أن الشخص الذي يعيش في الظلام أو الجهل لا يمكنه أن يستمتع أو يستفيد من الضوء الساطع (البرق اللامع).

بمعنى آخر، إذا كان الشخص غارقًا في الجهل أو الظلام، فلن يتمكن من تقدير أو الاستفادة من لحظات النور أو المعرفة التي قد تظهر فجأة، بل يزيده ذلك تخبُّطاً وضَياعاً، وقد جاء ذكر هذه الحقيقة في القرآن الكريم حين أخذ الله تعالى في ذكر أوصاف وأحوال المنافقين حيث قال سبحانه: “مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴿17﴾ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿18﴾ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿19﴾ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿20/ البقرة﴾.

هذه الآيات الكريمة تمثِّل لحال الخائض في الظلمة كيف لا يمكنه الإفادة من ضوء البرق الذي على الرغم من لَمَعانه الشديد الذي يخطف الأبصار لكنه سريعاً ما يذهب، أو ذاك الذي يستوقد ناراً ليستعين بضوئها في معرفة ما يحيط به، ويحدد غايته وطريقه، فإذا بالنار تنطفئ فيرجع الظلام ويسود المكان كله، فيبقى في الظُّلمة الدامِسة، فهو لا ينتفع بالنار رغم حاجته الماسَّة إليها.
ومثل آخر يضربه الله لحال الخائض في الظلمة، بالبرق الذي يخطف الأبصار من شَدَّته، كلما حدث أضاء فأبان له الطريق لحظة بروقه فيمشي خطوة أو خطوتين، لكن لمعانه سريعاً ما ينتهي فيرجع الشخص إلى الخوض في الظلمة، ما يعني أنه يضل حائراً في أمره، ينتظر برقاً جديداً، وهذه الحال شديدة الضغط عليه والتنكيل به، فنحن أمام مشهد عجيب، مشحون بالاضطراب، فيه تيه وضلال، وفيه هَولٌ ورُعْبٌ، وفيه فزع وحَيرَة، إذا أضاء البرق مشى، وإذا ساد الظلام وقف حائراً لا يدري أين يذهب وهو في حال من الفزع والخوف، فنحن أمام تيه واضطراب وقلق، وليس في البرق الذي يلمع أي فائدة يستفيدها الخائض في الظُّلمة.
إن الذي نستفيده من هذه الجوهرة الكريمة أهمية تَمَتِّع الشخص بالمعرفة والوَعي، فالبرق يرمز إلى لحظات الوضوح والكشف والإلهام والفهم العميق، بينما الظلمة ترمز إلى الجهل والغَباء والحُمق.
ويمكننا أن نستفيد منها أيضاً أهمية اقتناص الفُرَص، فالبرق يرمز إلى الفرصة التي تأتي فجأة وتذهب سريعاً، بينما الظُّلمة ترمز إلى أن الفرصة إذا لم تُقْتَنَص فقد لا ترجع أبداً، أو ترجع بعد طول انتظار وعَناء.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل