الله سبحانه قد تكفَّل لمن إتقاه أن يجعل له مخرجاً من كل ضِيق، وأماناً من كل خوف، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب، هذا شَرطٌ شَرَطَه الله على نفسه.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَوْ أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا عَلى عَبْدٍ رَتْقا ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ لَهُ مِنْها مَخْرَجا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ”.
وتعكس هذه الجوهرة الكريمة مفهوماً عميقاً في العقيدة الإسلامية، إنه مفهوم الالتجاء إلى الله، والالتزام بأوامره، واجتناب نواهيه، وحُسْنُ الظَّنِّ به، والتَّوَكُّلُ عليه وحده، لأنه مالك السماوات والأرض، وبيده كل الأسباب ما عرف منها الإنسان وما لم يعرف، وهو العليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، ولا يحول بينه وبين ما يريده شيء، “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿82/ يس﴾.
الله سبحانه قد تكفَّل لمن اتقاه أن يجعل له مخرجاً من كل ضِيق، وأماناً من كل خوف، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب، هذا شَرطٌ شَرَطَه الله على نفسه، إذا حقَّق العبد الأمر المَشروط، التقوى من العبد والفرج من الله تعالى ولو كانت السماوات والأرض رَتْقاً عليه، مغلقتان في وَجهه، وقد ضاقت عليه الأرض بما رَحُبَت، أي لو كان في أحلك الظروف وأصعبها، فالله سبحانه وتعالى وحده القادر على فتح الانسدادات، وتوفير المخرج لمن يتقيه، فرداً كان أم جماعة.
والحقُّ إن المؤمن بالله تعالى لا ييأس ولا يفقد الأمل بحال من الأحوال، فما دام مُؤَدِّياً تكاليفه، متقرِّباً بما يقوم به من أعمال، وما يعانيه من مصاعب إلى الله تعالى، يعلم علم يقين أن الله تعالى يهيئ له الأسباب، ويفتح له الأبواب، ويُخرجه من كل ضيق، ويعينه على حَلِّ المشاكل مهما كانت عويصة، ويسدده في اتخاذ ما يجب من قرارات، ويهديه إلى أهدى السُّبُل وأرشدها، ويُدَبِّر له أموره كلها.
إن الله القادر على إخراج الحَيِّ من المَيِّت، وإيجاد الأشياء من العَدَم قادر بالضرورة على إخراج عبده من كل أزمة، ومن طُرُقٍ لا يتوقَّعها ولا يحتسبها، شرط أن يلجأ إليه العبد ويتوكَّل عليه.
والله تعالى المهيمن على كل شيء، قادر على أن يُحَوِّل الأحوال من الشِّدَّة إلى الفرج، ومن الضِّيق إلى السَّعة، ومن الضَّنك إلى الرحابة، ومن العَجز والضَّعف إلى القُدرة والقوَّة.
إن الابتلاءات ضرورية للفرد والجماعة، وهي ليست إلا تعبيراً عن محبة الله لهما، فبهما يتكاملان في مختلف الأبعاد، ولكن الله تعالى لا يتركهما وهما يواجهان المصاعب والأزمات، بل يكون معهما، بالتسديد والتأييد وتسهيل المطالب وتيسير الأمور، والتجربة الإيمانية المديدة تشهد لذلك، فهذا يوسُف النبي (ع) ابتلاه الله بابتلاءات شَتَّى وكلها كان من الصعب أن يصمد أمامها إلا المؤمن المتقي، وكان الله سبحانه يرعاه ويدبِّر أموره، ويجعل له من كل شيق مخرَجاً.
وهذا النبي موسى (ع) يبتليه الله منذ طفولته، تلقيه أمه في التابوت فيحمله إلى حيث قدَّر الله، ولما شبَّ (ع) كان ينتقل من أزمة إلى أخرى وكان مع كل ذلك يتَّقي الله ويُحسِنُ ظَنَّه به، ويتوكل عليه وكان الله يجعل له من كي ضيق مخرجاً، إلى أن بعثه رسولاً إلى فرعون، ولما سار بقومه وفرعون يلحقهم وجنودُه وانتهى بهم المسير إلى نهر النيل، خاف قومه من أن يُدركهم فرعون وجنوده، فأجابهم: “كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ” وتحقَّق له ما أراد حين انفلق البحر بضربة من عصاه ونجا هو وقومه.
وأصحاب الكهف لما فَرّوا بدينهم من مَلِك ظالم ولجأوا إلى الكهف كانوا في رعاية الله وحفظه، ثلاث مئة سنين وتسعاً، ثم بعثهم الله من نومهم.
ورسول الله محمد (ص) حين واجه المشركين في معركة بدر وقد كان المسلمون قِلَّة وليس معهم من العتاد ما يكفي، فلجأ (ص) إلى الله تعالى يدعوه والمسلمون على قِلَّتهم يقاتلون أعداءهم فأنزل الله عليهم النصر وأنزل بعدوهم الكبت.
وفي معركة الخندق يوم احتشد لقتال المسلمين عشرة آلاف من المشركين بقيادة عمرو بن ودِّ العامري، وقد بلغ الكَرب مداه وقد صَوَّر الله تعالى لنا ذاك المشهد فقال: “إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿10﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿11﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12/ الأحزاب﴾ يوم ذاك انتهت المعركة بضربة واحدة من يد بطل الإسلام الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع).
إن جميع ذلك يؤكِّد ما جاء في جوهرة الإمام (ع): “لَوْ أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا عَلى عَبْدٍ رَتْقا ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ لَهُ مِنْها مَخْرَجا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي