التفويض إلى الله هو تسليم الأمر كله إلى الله

التفويض إلى الله هو تسليم الأمر كله إلى الله

إن التفويض إلى الله هو تسليم الأمر كله إلى الله سبحانه وتعالى، والإيمان بأنه الأعلم والأقدر على تدبير الأمور، وأنه لا يُقَدِّر عليه إلا الأصلح له في دنياه وفي آخرته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلى اللّهِ سَدَّدَهُ”.
 
معادلة أخرى يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع) نحن أحوج ما نكون إلى فهمها والعمل بها خصوصاً في هذه المرحلة القاسية من تاريخنا حيث احتشد كل شياطين الأرض وأبالستها على قتالنا وسَحقِنا، وائتلف معهم معظم بني قومنا يطعنونا من الخلف بخناجر حِداد مسمومة.

المعادلة تقوم على ركنين اثنين:

الركن الأول: أن يُفَوِّض العبد أمره لله، والتفويض إلى الله هو تسليم الأمر كله إلى الله سبحانه وتعالى، والإيمان بأنه الأعلم والأقدر على تدبير الأمور، وأنه لا يُقَدِّر عليه إلا الأصلح له في دنياه وفي آخرته، فالإنسان في هذا الموقف يعترف بعجزه أمام عظمة الله وقوته، ويثق تمامًا في حكمته وعلمه، ويسلّم زمام حياته وقراراته إلى الله. 
 
لقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم هذا المفهوم فيما نقله عن مؤمن آل فرعون إذْ قال: “…وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44/ غافر﴾ إن مؤمن آل فرعون يقف عاجزاً أمام طغيان فرعون وملئه وجنوده، وهو ضعيف مستضعفٌ بين أيديهم، ليس في وُسعِه أن يدفع شَرَّهم عن نفسه، لذلك فَوَّض أمره لله، ترك لله أن يختار له ما هو خير له.

وذكر الله تعالى لنا تفويض موسى (ع) أمره لله، وذلك حين فَرَّ من حكم فرعون وانتهى به المسير إلى مدين، هناك وصل إلى منكقة فيها بئر ماء يستقي منه الرَّعاة لأغنامهم ومواشيهم، وقد وجد جماعة من الرجال يسقون، ووجد امرأتين منفردتين تحرصان على جمع أغنامهما كي لا تجتمع مع أغنام الرجال، فكان بينه وبينهما الحوار التالي: “… قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴿23﴾ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿24/ القَصَص﴾.لقد اكتفى بسؤال واحد، وجوابهما، فقام بما يجب عليه، ثم تولى إلى ظِلٍّ وتوجَّه إلى الله تعالى بقلب مفعم باليقين عارضاً بين يدي الله ضعفه وفقره من دون أن يريد لنفسه شيئاً، مفوِّضاً أمره إلى الله يفعل به وله ما يشاء.

وذكر القرآن لنا أيضاً تفويض النبي أيّوب (ع) أمره إلى الله فقال: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿83/ الأنبياء﴾ إن أيَّوب كان قد بلغ منه المرض أن انفضَّ عنه أقرب الناس إليه، نجده لا يختار لنفسه شيئاً حتى أنه لم يطلب من الله أن يشفيه إنما عرض حاله بين يديه تعالى وفَوَّض إليه أن يريد له.

إذا الركن الأول من المعادلة هو ما تقدم، أن يُسَلِّم العبد كل أموره إلى الله، موقِناً أنه تعالى الأعلم والأقدر على تدبير الأمور.

أما الركن الثاني: فهو تسديد الله للعبد ورعايته والتفريج عنه من حيث لا يحتسب، وتهيئة الأسباب التي تخطر على باله، لاحظ قارئي الكريم ما يلي:

إن مؤمن آل فرعون حين فَوَّض أمره إلى الله (الركن الأول من المعادلة) وقاه الله مكرهم (الركن الثاني من المعادلة)، قال تعالى: “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45/ غافر﴾.

وموسى (ع) حين فوَّض أمره إلى الله، وأظهر فقره المطلق بين يديه انظر ماذا كان الركن الثاني من المعادلة، كان كما قال تعالى: “فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿25/ القَصَص﴾.

وأيّوب (ع) حين فَوَّض أمره إلى الله كان الركن الثاني من المعادلة ما قاله تعالى: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴿84/ الأنبياء﴾.
 
المُلفت ما ختمت به الآية الكريمة (وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) ونفهم منها أن هذه المعادلة جارية مطَّردة وليست مقتصرة على شخص أو جماعة، أو زمان دون آخر، وأن المؤمن العابد يُفَوِّض كل أموره إلى الله تعالى ويعتمد على حُسنِ اختياره له، وأنه لن يخذله أو يُضَيِّعه، بل يُسَدِّده ويهديه، ويوفِّقه في خطواته وقراراته.

ومن المهم أن نفهم أن تفويض الأمر لله لا يعني ترك العمل، بل يجب أن يكون مصحوباً بالأخذ بالأسباب، ولا يعني الاستسلام للظروف، أو التخلِّي عن الأهداف. بل على الإنسان أن يخطط، ويسعى، ويجتهد، ويؤدي تكليفه ثم يترك النتيجة لله تعالى.

ويجب أن نعلم أيضاً أن تفويض الأمور إلى الله يعزِّز الثقة في الله والإيمان بأن كل شيء يحدث لحكمة حتى لو لم تكن واضحة في البداية، ويخفِّف من عِبء القلق والتوتر، لأنه الإنسان يعلم أن الله يرعاه ويتكفَّل بأموره.  

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل