خُصَّت كريمة أهل البيت السيدة فاطمة المعصومة عن سواها من بنات الأئمة وسيدات البيت العلوي الطاهر بمنزلة رفيعة ومقام شريف حملت معه لقب المعصومة لما كان يُعرف عنها من العبادة والتقوى والزهد والعلم والدراية، وقد ذكرت الروايات الشريفة في حقها كرامات جليلة منها ما ورد عن شفاعتها لشيعة أهل البيت عليهم السلام، وعن أهمية زيارة حرمها الشريف باعتباره باباً من أبواب الرحمة. ولمعرفة المزيد عن حياة هذه السيدة الجليلة واستكشاف عظمة مقامها وشأنها التقينا بالعلاَّمة المحقق الشيخ نجم الدين الطبسي وقد أجابنا على الأسئلة التالية:
* قد يخلق اسم السيدة فاطمة المعصومة اشتباهاً عند البعض الذين يربطون بينه وبين اسم السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فمن هي السيدة فاطمة المعصومة؟
هي فاطمة الكبرى بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام وهي أخت الإمام الرضا عليه السلام
من الأم والأب، وقد ولدت في المدينة المنورة عام 183هـ.
وورثت عن أبيها القيم الإنسانية والمثل العليا في العقيدة والعبادة والعلم، والأدب والعفة والنفس الزاكية، والحَسَب الطاهر والنسب العظيم وكفاها أنها تربَّت في أحضان الإيمان والطهارة فهي تُعرف عند العلماء بكريمة أهل البيت.
وقد اختصت من بين سائر العقيلات بهذا الوصف.
كما تُعرف بالمحدثة والعابدة والمقدامة والجدير بالذكر أنها نشأت تحت رعاية الإمام الرضا عليه السلام
وذلك لأن أباها الإمام الكاظم عليه السلام كان في سجن هارون الرشيد العباسي.
فقد كان الرضا عليه السلام متكفلاً برعايتها وسد حاجاتها كما كان متكفلاً بسائر عوائل العلويين
الذين يصل عددهم إلى خمسمائة عائلة.
* من المعلوم أن المعصومين هم أربعة عشر بدءاً من الرسول صلى الله عليه وآله وختاماً بالإمام المنتظر عجل الله فرجه فما هو تفسير تسميتها بالمعصومة؟
لا شك في أن المعصومين في عقيدتنا هم أربعة عشر وهناك كلام بالنسبة إلى السيدة زينب عليها السلام
كما يقول المامقاني بأنه من رأى شأنها وجلالتها وعظمتها ثم ادعى عصمتها فليس ببعيد
أما بالنسبة إلى فاطمة المعصومة فإن عصمتها ليست بهذا المعنى، نعم هي من الطيبات والعالمات والمحدثات اللواتي اختصت وخصّها اللَّه بملكة العقل والرشاد والإيمان والثبات إلى جانب العزيمة والتضحية.
مودعاً فيها العفة والطهارة وبواعث الكمال والغلبة والحق…
مع تجنبها عوامل الذل والخوف والاستسلام والانحراف إضافة إلى اشتهارها
بمقامات معنوية جليلة فلعله من هذا الباب وصفها العلماء
بوصف من أوصاف الصديقة الزهراء الطاهرة وإن لم أعثر لقلة تحقيقاتي في
هذا الموضوع على هذا الوصف مع أنه مشهور لكن صاحب رياحين الشريعة ينسب كلمة معصومة
إلى الإمام الرضا عليه السلام والذي يقول: “من زار المعصومة في قم فقد زارني”.
هذا ولم يبلغ الزهراء أحد من نساء العالمين بل هي سيدة نساء العالمين
كما في روايات الخاص والعام وهي المعصومة بضرورة المذهب على ما صرح بذلك الإمام الخوئي في المعجم.
* ما هي المكانة العلمية التي وصلت إليها؟
نقل السيد أحمد المستنبط قصة عن كتاب مخطوط في النجف الأشرف يدل على مدى حب الإمام الكاظم لها
ومدى مقامها العلمي فإنه روى: أن جماعة من شيعة الإمام الكاظم أتوا إلى باب الإمام عليه السلام
ومعهم أسئلة كتبوها على الأوراق يريدون الإجابة عليها من الإمام عليه السلام فلم يجدوه في الدار
فاستلمت السيدة فاطمة رسائلهم وأجابت عليها بأجمعها وأرجعتها إليهم.
فلما رجعوا التقوا بالإمام عليه السلام فنقلوا إليه ما جرى واطلع على الأسئلة والأجوبة
فقال: “فداها أبوها” وأيَّد كل الأجوبة، مما يدل على سمو مقامها العلمي.
* إن وجود مقامها في مدينة قم يدعو إلى السؤال عن سبب مغادرتها للمدينة المنورة ثم سبب اختيارها للذهاب إلى قم؟
سبب المغادرة هو شوقها لزيارة أخيها ومعلمها وإمامها الإمام الرضا عليه السلام
فإن قلبها لم يصابرها على فراقه وهو الذي استدعي وأُخرج جبراً من المدينة إلى مرو عام مائتين للهجرة لقبول ولاية العهد فخرجت على أثره، تطلبه عام 201هـ. فوصلت إلى ساوة وهي قريبة من قم وقد مرضت هناك أما سبب مجيئها إلى قم: ففيه نقلان: الأول أنها عندما وصلت إلى ساوة ومرضت هي سألت، كم بيني وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ. فأمرت خادمها بالذهاب بها إلى قم وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد.
والنقل الثاني: الذي عبّر عنه صاحب تاريخ قم “بالأصح” أنَّ آل سعد عندما علموا بوصولها إلى ساوة خرجوا إليها جميعاً وطلبوا منها النزول في بلدة قم.
ومن ضمن من خرج إليها موسى بن خزرج. فإنه عندما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى قم وأسكنها داره وهي الآن مزار يُعرف بالمدرسة السبتية. ولقد أقامت هناك فترة قصيرة ستة أو سبعة عشر يوماً ثم توفيت في الخامس عشر من رجب. فدفنت بطلب من موسى بن خزرج في أرض من أراضيه.
* ورد في الروايات عن الإمام الرضا عليه السلام أنه من كان في زيارته وتوفّي في الطريق هو يتكفل بدفنه والسيدة المعصومة كانت في طريقها إلى زيارته فمن تولى دفنها؟
نعم عندما غسَّلوها وكفّنوها وجهزوها وذهبوا بها إلى محل الدفن ووضعوا جنازتها على سرداب حفروه لها، اختلف آل سعد فيما بينهم فيمن يدفنها.
ثم اتفقوا على خادم لهم شيخ طاعن في السن وكان رجلاً صالحاً اسمه قادر، فلما بعثوا إليه، رأوا راكبين سريعين ملثمين يأتيان من جانب الرملة، فلما قربا من الجنازة نزلا وصليا عليها ودخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها.
ثم خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد من هما، وإنه لمن المعروف وإن لم يذكر التاريخ من هما أن أحدهما هو الإمام الرضا عليه السلام الذي عاهد من يقوم بزيارته ويتوفى في الطريق أنه يتولى دفنه أما الثاني فلا يبعد أن يكون الإمام الجواد أو الإمام الكاظم.
* متى ومن بنى مقامها؟
بعد أن دفنت، في الموضع الآنف الذكر بنى موسى بن الخزرج على قبرها سقفاً من البواري إلى أن أمرت زينب بنت الإمام الجواد عليه السلام، ببناء قبة على قبر عمتها.
* ماذا عن فضل زيارة مقامها وهل هناك روايات عن الأئمة في هذا الشأن؟
وردت روايات عن الصادق وعن الرضا عليهما السلام في فضل زيارتها والجدير بالذكر أن الصادق عليه السلام أشار إلى دفنها في قم وذلك قبل أن يولد الإمام الكاظم عليه السلام مما يدل على أهمية السيدة المعصومة وأهمية مقامها الذي تدفن فيه مثلاً من الروايات: إن عدة من أهل الري دخلوا على الصادق عليه السلام وقالوا: نحن من أهل الري.
فقال عليه السلام: مرحبا باخواننا من أهل قم. فقالوا: نحن من أهل الري. فأعاد عليه السلام، الكلام.
وقالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ذلك، فقال: “إن للَّهِ حرماً وهو مكة، وإن لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله حرماً وهو المدينة. وإن لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة. وإن لنا حرماً وهو بلدة قم. وستدفن فيها امرأة من أولادي تُسمَّى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة”. وفي نقل القاضي نور اللَّه: “تُدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم”. وعن الرضا عليه السلام: “من زار قبر عمتي بقم فله الجنة”.
* هل يوجد لها زيارة خاصة بها؟
بعض أبناء الأئمة لم يرد في شأنهم زيارة خاصة ولا شك في جلالتهم لكن بعضهم ورد في شأنه زيارة خاصة من المعصومين مما يدل على جلالة خاصة والسيدة المعصومة أفرد الشيخ المفيد لها زيارة خاصة وعقد المجلسي في البحار باباً في زيارتها، والزيارة المأثورة لها رويت عن الرضا عليه السلام أنه قال لسعد: “يا سعد عندكم لنا قبر.
قلت: جعلت فداك: قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر: قال نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة، فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة وكبِّر أربعاً وثلاثين تكبيرة. وسبِّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، وأحمد اللَّه ثلاثاً وثلاثين تحميدة ثم قل: …” إلى آخر الزيارة.
وفي هذه الزيارة من المعاني والتعابير المميزة التي يخاطب بها الإمام الرضا عليه السلام السيدة فاطمة المعصومة ما يدل على عظم شأنها لأنَّ الإمام عليه السلام ليس في مقام المجاملة، حينما يقول: “أتقرب إلى اللَّه بحبكم…” وتعابير أخرى.
* هل ورد عن لسانها روايات وأحاديث؟
السيدة زينب روت أحاديث في مقام علي عليه السلام سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله وهي التي تروي خطبة الزهراء عليها السلام والسيدة فاطمة المعصومة روى عنها الخاصة والعامة أحاديث مما يدل على مكانتها وأهميتها مثلاً حديث الغدير والمنزلة فقد رواه عنها الجذري في كتابه أسنى المطالب وهو يروي هذا الحديث عن الزهراء عليها السلام بسند فاطمة المعصومة والحديث يقول: أنسيتم قول رسول اللَّه يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه وقوله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
أيضاً حديث ولادة الحسين: فقد رواه الصدوق في أماليه بسند فاطمة المعصومة إلى صفية بنت عبد المطلب قالت: لما سقط الحسين، من بطن أمه وكنتُ وليتها.
قال النبي: “يا عمة هلمّي إليّ ابني. فقلت: يا رسول اللَّه إنَّا لم ننظفه بعدُ، فقال صلى الله عليه وآله: يا عمة أنتِ تنظفينه؟ إن اللَّه تبارك وتعالى قد نظفه وطهره.
وكذلك خبر المتسلسل، بالفواطم وهو ينتهي إلى رسول اللَّه وقد سُمي بالفواطم لأن كل من في سنده اسمهن فاطمة إلاّ نادراً عن بكر بن أحتف قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا.
قالت: حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر… عن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة.
وعليها باب مكلل بالدر والياقوت. وعلى الباب ستر. فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا اللَّه. محمد رسول اللَّه، علي ولي اللَّه، وإذا مكتوب على الستر، بَخٍ بَخٍ مَنْ مثل شيعة علي…”.
* يُذكر أنه كان للسيدة المعصومة مكانة خاصة عند أهل قم لدى مجيئها إلى بلدهم فكيف هي علاقتهم بها اليوم على صعيد زيارة مقامها؟
لطالما كانت قم معروفة بولائها لأهل البيت وعشقها ومحبتها لهم وهي كانت أول بلدة توقف أراضيها على المعصومين وأول بلدة تبعث بالحقوق والأخماس إلى المعصومين وهي البلدة التي ورد في شأنها عن الإمام الصادق عليه السلام: “ستخلو الكوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم وتصير معدناً للعلم والفضل…”
وهي الآن القلب النابض للتشيع ومأوى الآلاف المؤلفة ومنها تنتقل علوم أهل البيت إلى شرق الأرض ومغربها وللسيدة فاطمة شأن عند أهل قم، بل لدى الإيرانيين، بل وكل المسلمين يقصدها القريب والبعيد ومقامها غاص بالزوار والمتعلقين بأهل البيت عليهم السلام…
وفي بعض الأيام والمناسبات يصل عدد الزائرين إلى مليون نسمة، أي بعدد سكان قم. كما لها شأن عند العلماء والمراجع قديماً وحديثاً. فعن العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان أنه كان يفطر على تقبيل ضريح عمته السيدة فاطمة. ثم يذهب للإفطار.
وعن السيد النجفي قال: كلما أردت شيئاً طلبته من السيدة المعصومة.
وأخذت حاجتي وكان أول من يدخل الحرم الشريف عند الفجر وكان اسمه ضمن الخدمة الافتخاريين مقابل المتفرغين وهو يقول نزلت إلى السرداب ورأيت بدن عمتي لم يبل كأنه دفن الآن…
وحينما انتقل الملا صدرا الحكيم المتأله إلى ضواحي دار الإيمان في قم المقدسة، واستوطن إحدى قرى قم المسماة “كهك” على بعد أربعة فراسخ.
لما كانت تعتريه مسائل علمية مستعصية وقضايا فلسفية مبهمة، كان يقصد قبر العقيلة الجليلة، ويستلم منها حل مشاكله العلمية والفلسفية ثم يعود إلى مقره.
* ذكرتم أن هؤلاء العلماء كانوا يحصلون على قضاء حوائجهم ببركتها فهل هناك أي ذكر لكرامات لها؟
هناك مؤلفات وكتب في كراماتها وأنا أشير إلى بعضها:
روى الاراكي أن السيد كمال وهو أحد المؤمنين أصيب بفلج وشلل في نصف بدنه، فقال له أحد مقربي آية اللَّه الشيخ عبد الكريم الحائري، إن كنت سيداً لأخذت شفاءك من السيدة المعصومة.
فذهب هذا السيد وطلب من البعض أن ينقلوه إلى حرم السيدة.
فلّما نقلوه قال: يا سيّدتي لا أخرج من هنا حتى أنال شفائي منكم فأتاه شخص في المنام وقال له: قم من مكانك قال لا أستطيع.
أعاد عليه الشخص قائلاً: قم وسلّم هذه الرسالة إلى السيد حسين التاجر في السوق، فقام فرأى الرسالة بيده وخوفاً من أن يرجع إليه شلله لم يفتح يده، ولم يعرف مضمونها، بل سلم الرسالة إلى السيد حسين. وتعافى من فوره.
وروى آية اللَّه أحمدي حادثة نقلها لي شخصياً وهي أن أحد طلاب الحوزة كان عنده بيت قديم
لم يلبث أن تهدم فانتقل بعائلته إلى غرفة مستأجرة في دار خارج قم ولم يكونوا مرتاحين لإقامتهم هناك فذهب إلى السيدة المعصومة متوسلاً وباكياً وسائلاً العودة إلى جوارها والسكن في قم وعندما خرج من الحرم التقى برجل قال له أنت تريد شراء بيت هنا فخذ هذه خمسة توامين اشترِ بها البيت الموجود في الزقاق الفلاني الذي يملكه فلان فاستعجب هذا الشخص لعلم ذلك الرجل بما يريد واحتار في أمر المبلغ الزهيد الذي أعطاه له وهو لا يشتري له منزلاً أبداً ولكنه ذهب إلى المكان المقصود والتقى بصاحب المنزل الذي أخبره أن الثمن لا يقل عن خمسة وأربعين ألف توماناً نقداً فودعه ومشى بضع خطوات فناداه صاحب المنزل قائلاً له: تعالَ وأعطني الخمس توامين وخذ البيت فصار صاحب تلك الدار ببركة السيدة المعصومة.