Search
Close this search box.

الحياة الدنيا وفقاً للتصور الإسلامي دار ممَرٍّ نَحو الآخرة

الحياة الدنيا وفقاً للتصور الإسلامي دار ممَرٍّ نَحو الآخرة

إن الحياة الدنيا وفقاً للتصور الإسلامي ليست دار قرار، بل دار ممَرٍّ نَحو الآخرة، مجرَّد مرحلة انتقالية محكومة بالزوال والانتهاء، يعيش الإنسان فيها مُدَّة من الزمن ثم يرتحل عنها إلى الآخرة  التي هي دار القرار، وليست داراً للراحة والنعيم المطلق، وإنما هي دار ابتلاء واختبار.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَمْ يُصْفِ اللهُ سُبْحَانَهُ الدُّنْيا لأَوْلِيائِهِ، وَلَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ”.
تعكس هذه الجوهرة الكريمة فكرة محورية في التصور الإسلامي للحياة الدنيا والابتلاء فيها، وهي أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا داراً للابتلاء، وأن الجَزاء الحقيقي ينتظر الإنسان في الآخرة، وأن الدنيا لا تصفو لأولياء الله لأنها دار الابتلاء والامتحان، يُمتَحنون فيها ويُبْتَلَون لتتجوهر ذواتهم، وتتبلور طاقاتهم، ويمتازون فيها عن سائر الناس بواسطة ما يُحسنون من أعمال، قال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”﴿2/ المُلك﴾.

كما أن الله تعالى لا يمنع عن أعدائه وهم الكفَرَة الفَجَرة الظَّلَمَة لا يمنع عنهم الدُّنيا بل يعطيهم منها، وقد يزيدهم فيها إتماماً لحجته عليهم، واستدراجاً لهم.

إن الحياة الدنيا وفقاً للتصور الإسلامي ليست دار قرار، بل دار ممَرٍّ نَحو الآخرة، مجرَّد مرحلة انتقالية محكومة بالزوال والانتهاء، يعيش الإنسان فيها مُدَّة من الزمن ثم يرتحل عنها إلى الآخرة  التي هي دار القرار، وليست داراً للراحة والنعيم المطلق، وإنما هي دار ابتلاء واختبار.

قال تعالى: “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً” ﴿35/ الأنبياء﴾ والابتلاء هنا يعني أن الإنسان يُمتحن في ظروف متنوِّعة، سواء كانت تلك الظروف رخاءً أو شدّة، كما يُعتَبَر أداة لتحقيق الحكمة الإلهية من خلق الناس، وهي ابتلاؤهم بالخير والشر ليختبر مدى صبرهم وشكرهم، وعليه، فمن المؤَكَّد أن يمُرَّ المؤمن بمصاعب وابتلاءات في الدنيا، لكن هذا لا يتنافى مع مكانته عند الله، بل هو جزء من سنن الحياة التي أرادها الله لعباده.

الله سبحانه وتعالى لم يخصِّص نعيم الدنيا لأوليائه، أي للمتقين أو المؤمنين الصالحين، ولم يقتصر عليهم بالراحة والرخاء، كما أنه لم يمنعها أو يبخل بها على أعدائه، ولا يمكننا بحال من الأحوال أن نعتبر الحصول على نعيم الدنيا والثراء ودوام العافية والأمان وصلاح البال مِعياراً للحكم على قرب العبد من الله أو بعده عنه، وإنما الآخرة هي الدار الحقيقية التي يُجزى فيها الإنسان، وفوز الإنسان برضوان الله فيها ونعيمه المقيم هو المعيار، فهناك يمتاز السعيد عن الشَّقِيّ.

وقال تعالى: “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿103﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴿104﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿105﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿106﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿107﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿108/ هود﴾.

إن الله تعالى يعطي من نعيم الدنيا لمن يشاء من عباده، سواء كانوا مؤمنين أو كفاراً، وفق حكمته البالغة، وإذا كان يبتلي المؤمن بالضيق والمرض والمصاعب، ليرفع درجته وليختبر صبره واحتسابه، لأن الجزاء الحقيقي للمؤمن ليس في الدنيا، وإنما في الآخرة، فإنه يبتلي الكافر بالسَّعة والصِّحَّة، قال تعالى: “كُلٌّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا” ﴿20/ الإسراء﴾ لكن هذا العطاء الذي يعطيه الله للكافر الفاجر لا يعني أنه محبوب عند الله، ولا يعني أن الله يُفَضِّله على المؤمن، بل ربما يكون استدراجاً له ليزداد في طغيانه، قال تعالى: “وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا” ﴿178/ آل عمران﴾.

والأئمة (ع) أكدوا في كثير من الروايات على أن المؤمنين مبتَلَون في الدنيا، وأن الله لا يخصهم بالرخاء المادي أو الدنيوي، لأن الدنيا ليست هي المعيار الحقيقي للنجاح أو الفشل، وإنما الجزاء في الآخرة هو الأهم. من هذه الروايات ما رُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “إِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ كَانُوا فِي شِدَّةٍ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ إِلَى مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ وَعَافِيَةٍ طَوِيلَةٍ”.
وعن الرخاء الذي يُعطى للكافرين وأنه لا يدل على أنهم موضع رِضا الله بل قد يكون ذلك استدراجاً، رُوِيَ عن الإمام عَلِيٍّ (ع): “إذا رأيتَ ربَّك سبحانه يُتَابعُ عليكَ النعمَ وأنتَ تعصيه، فاحذرْ، فإنَّهُ استدراجٌ منه لكَ”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل