Search
Close this search box.

كونوا مع الصادقين

كونوا مع الصادقين

الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب قدس سره
على الشخص الذي يريد نور اليقين، أن يزيد من القرب المعنويّ، والاتّصال الروحيّ، والارتباط القلبيّ بآل محمّد عليهم السلام.

من هنا، جاء في القرآن الكريم الأمر بالارتباط المعنويّ بعظماء الدين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119).

* الصادقون هم المعصومون عليهم السلام
بما أنّ الله أمرنا في هذه الآية الشريفة أن نكون مع الصادقين، فلا بدّ يقيناً من أن يكونوا معصومين، لأنّ العقلاء يرفضون إطاعة الشخص الذي قد يخطئ. وقد عرف الشيعة الاثنا عشريّة المعصوم بواسطة الروايات المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأدلّة العقليّة والنقليّة التي ذُكرت في بحث الإمامة.

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه احتجّ بكلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد النبويّ أيّام خلافة عثمان، حيث قال: “أنشدكم الله، أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ لمّا أنزل في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119)، (…) قال صلى الله عليه وآله وسلم: أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أمروا بذلك، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي عليّ عليه السلام وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة؟ قالوا: اللّهمّ نعم”(1).

من جملة الأحاديث المرويّة في مصادر الفريقين الشيعة والسنّة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق” (2). ولا شكّ في أنّ المراد بالتمسّك بأهل البيت عليهم السلام هو ذلك الاتّصال الروحيّ الذي يحصل ببركة الموافقة والمتابعة والمحبّة. ومحبّة آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقبول ولايتهم، اللذين ورد وجوبهما في آيات القرآن المجيد والروايات المتواترة، إنّما هما لاستفادة الخلق من أولئك العظماء، ومن أهمّها إفاضة نور اليقين، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء: 69).

يُعلم من هذه الآية الشريفة أنّ نتيجة حبّ أهل البيت عليهم السلام واتّباعهم والالتزام بولايتهم، هي الاتّصال الروحيّ بعظماء الدين، والأثر المهمّ لهذا الاتّصال، هو الوصول إلى مقام اليقين.

* معيّة أهل البيت عليهم السلام
نقرأ في زيارة عاشوراء: “فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة”؛ فالسائل يطلب أن يوصله الله تعالى إلى معيّة أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الروحانيّة في الدنيا والآخرة، وهذا المعنى لا يتحقّق إلّا بأن ترقى النفس في الكمالات، وترفع الرذائل عنها، وتزيل عن مرآة القلب صدأ الشقاء بمصقول العلم والعمل، حتّى تصبح متلألئة بحسب مرتبتها من الظلال المقدّسة لتلك الأنوار. وعندها، تصل حتماً إلى درجة المعيّة. وبهذا، نكون مع هؤلاء الصادقين في المراتب الستّة للصدق: الصدق في القول، والفعل، والعزم، والوفاء بالعهد، وتساوي الظاهر والباطن، والصدق في مقامات الدين بالتفصيل المذكور في سورة القمر.

ما ذُكر هو بعض لوازم المعيّة الروحانيّة وآثارها. أمّا حقيقة ذلك المقام وسائر آثاره، فهي فوق إدراك من لم يصل إلى هذه المرتبة. وأيضاً، فإنّ الوصول إلى مثل هذه المرتبة ليس أمراً اكتسابيّاً، بل هو موهبة إلهيّة، وما على العبد القيام به هو أن يهيّئ نفسه بالتزكية، أي التخلية والتحلية، والفكر والذكر، وشدّة الطلب، ودوام الالتجاء.

* ولاية المؤمن الكامل
ورد في بعض الآيات والروايات الأمر بمودّة المؤمن الكامل والشيعيّ الخالص وولايته، وذلك للاستفادة من نور يقينه، لأنّ المؤمن الكامل في منتهى الاتّصال بآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والمتّصل بالمؤمن يصبح بنتيجة صحبته وعلاقة المحبّة به وأداء حقوق الأخوّة الإيمانيّة مرتبطاً به ارتباطاً روحيّاً.

* حديث الإمام الصادق عليه السلام مع غلامه
“إنّ أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد، فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك وأكون له مملوكاً وأجعل لك مالي كلّه؟ فإنّي كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه، وأنا أقيم معه مكانك فقال: أسأله ذلك.

فدخل على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام، فقال: جعلت فداك، تعرف خدمتي وطول صحبتي، فإن ساق الله إليّ خيراً تمنعنيه؟ قال: أعطيك من عندي وأمنعك من غيري، فحكى له قول الرجل فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك، فلمّا ولّى عنه دعاه فقال له: أنصحك بطول الصحبة، ولك الخيار، فإذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعلّقاً بنور الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام متعلّقاً برسول الله، وكان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين، وكان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون مدخلنا ويردون موردنا.

فقال الغلام: بل أقيم في خدمتك وأؤثر الآخرة على الدنيا. وخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل: خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به، فحكى له قوله وأدخله على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام فقبل ولاءه وأمر للغلام بألف دينار(3)، فعُلم إذاً أنّ المتّصل متّصل.

* الإعراض عن الكفّار ابتعاد عن ظلامهم
ثمّة آيات وروايات ورد فيها النهي عن صداقة أهل الشكّ والنفاق والجهل والعناء والعلاقة بهم. بل ورد الأمر بالإعراض عنهم لكي يبقى المؤمن محفوظاً من ظلمتهم وكدورتهم الباطنيّة، وخلاصة القول: إذا وُفّق الإنسان لمصاحبة أهل الإيمان وصداقتهم والعلاقة القلبيّة بهم، فإنّه يؤمّل من ذلك كلّ خير، ويصل في النتيجة إلى مقام اليقين.

ومن المسلّم به أنّ النفس الإنسانيّة تأخذ عادات المصاحب والرفيق وصفاته، مثلاً: إذا رأيت أنّ رفيق سفرك، وهو صديق حميم، مضطرب شديد الاهتمام بالسفر الذي عزمتما عليه ويفكّر فيه دائماً، منصرف إلى إعداد الزاد وكلّ اللوازم، حتّى السلاح الذي قد تحتاجانه لمواجهة اللصوص، فإنّ حالته هذه سوف تؤثّر فيك قطعاً، فينبعث الخوف في نفسك وتمضي معه جنباً إلى جنب لتهيئة كلّ ما يلزم. وكذلك إذا كان لك رفيق شديد الخوف من سفر الآخرة، وهو دائم التفكير بزاد هذا السفر المرعب وتهيئة زاده، فإنّك أنت أيضاً ستستفيد من هذه الصفات، وهكذا.

فقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام ابنه محمّد ابن الحنفيّة بقوله: “ومن خير حظّ المرء قرين صالح، جالس أهل الخير تكن منهم”(4). وعنه عليه السلام أيضاً: “صحبة الأخيار تكسب الخير كالريح إذا مرّت على الطيب حملت طيباً”(5).

تتمّة المقال في العدد المقبل بإذن الله.

*مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 1، ص 249- 253.
(1) تمام الدين وكمال النعمة، الشيخ الصدوق، ص 278.
(2) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 27، ص 34.
(3) بحار الأنوار، المجلسي، ج 50، ص 88.
(4) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 385.
(5) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 304.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل