تتجلى أهمية التوقف عند حدود العلم وعدم اتباع الجهل في العديد من آيات القرآن، منها على سبيل المثال قوله تعالى: “وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً”﴿36/ الإسراء﴾.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَوْ أَنَّ الْعِبادَ حينَ جَهِلُوا وَقَفُوا، لَمْ يَكْفُرُوا وَلَمْ يَضِلُّوا”.
وتعكس هذه الجوهرة الكريمة موقفاً أساسياً في الفكر الإسلامي حول أهمية التَّرَوّي والوقوف عند حدود العلم وعدم الانجراف خلف الجهل أو الافتراضات الخاطئة في العقيدة والتشريع، ويعني ذلك أنه لو توقف الناس عن اتخاذ مواقف أو إصدار أحكام بناءً على جهلهم، لما وقعوا في الضلال أو الكفر، وتُعبر عن أهمية أن يمتنع الإنسان عن الإدلاء بآراء وأحكام فيما لا يعلمه أو لا يتأكد منه، فالتسرع في إصدار الأحكام دون العلم الكافي يؤدي إلى الابتعاد عن الحق والوقوع في الضلال، وربما يؤدي إلى الكفر.
وهذه الفكرة تتماشى مع تأكيدات القرآن الكريم والنبي الأكرم والأئمة الأطهار (صلوات الله عليه وعليهم) على ضرورة طلب العلم والتثبت فيه، وترك الأمور التي ليس للإنسان فيها يقين، وهذا يُشكل منهجاً أساسياً في الفكر الإسلامي لتحصيل الحقائق الدينية، وضمان الوصول إلى المعرفة الحقيقية.
وتتجلى أهمية التوقف عند حدود العلم وعدم اتباع الجهل في العديد من آيات القرآن، منها على سبيل المثال قوله تعالى: “وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً”﴿36/ الإسراء﴾.
إن الآية الكريمة تنهى الإنسان والمؤمن على وجه خاص أن يتَّبع ما لا علم له به من قول أو فعل، وذلك دستور شامل لكثير من شؤون الحياة، وهذه الكلمات القليلة تنهَج منهجاً كاملا للإنسان، منهجاً لقلبه وعقله وهما يَتَلقَّيان العلم ويؤمنان به، هذا المنهج يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثاً جداً، لكنه يضيف إليه استقامة القلب ومراقبة الله، وهذه هي ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة، فالتَّثَبُّت من كل خبر من كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم عليها هو ما يدعو القرآن الكريم إليه، وهو المنهج الإسلامي الأصيل الذي يريد للإنسان أن يكون علمه حقيقياً صادقاً مطابقا للواقع، وأن تكون عقيدته حقَّة ثابتة بالبرهان، كي لا تتزلزل أمام الشُّبهات، وكي لا تنحرف بالإنسان صوب الضلال والباطل، ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة، ولم يبق مجال للظَّنِّ والشُّبهة في عالم الحكم والقضاء، وفي التعامل مع الناس، ولم يبق مجال للأحكام السطحية والافتراضات والنظريات الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم.
والآية الكريمة تعتبر ذلك أمانة يجب أن يحفظها الإنسان ويصونها، وتجعل الإنسان مسؤولاً عنها بين يدي الناس وبين يدي الله تعالى، وتنصُّ الآية الكريمة على أن الإنسان مسؤول عمَّا يتلقى بسمعه، ومسؤول عمّا يرى بناظرَيه، ومسؤول عما ينعقد عليه فؤاده من عقائد وأفكار، مسؤول عن جميع ذلك أمام مَنْ وهبه السمع والبصر والفؤاد.
وعليه: فليس للمؤمن، بل ليس للإنسان السَّوِيِّ أن يتبع ما لم يعلمه علم اليقين، وما لم يتثبَّت من صحته، من قول يقال، أو نظرية تُطرَح، أو خبر يُنشَر، أو ظاهرة تُفَسَّر، هذا إذا كان حال الناس الصلاح والصِّدق والتحرُّج من الكذب، فكيف إذا كان الكذب هو الشائع بينهم، وكيف إذا التحريف هو الوسيلة المثلى للتأثير في المُتلَقِّين، وكيف إذا كانت (المَنْتَجَة) واجتزاء الكلام من سياقه هو السائد اليوم، بل كيف إذا كان الذكاء الصناعي قادراً خلق كلام ومشاهد لا وجود لها إلا في العالم الافتراضي.
فليس للمرء العاقل أن يتبع في عقيدته ما لم يرتكز فيه على أساس من علم يقيني، لا مجال معه لأي احتمال مضاد، وهذا ما ينبغي أن يكون منهج المؤمن في الحياة، ولا يقف الأمر عند الجانب العقدي والفكري والتشريعي بل يتعدّاه إلى مختلف شؤون الحياة، فإن كثيراً من المفاسد تأتي من اتباع الظن والهوى.
وهكذا تتضافر الآيات الكريمة والروايات الشريفة على تقرير ذلك المنهج الكامل المتكامل الذي لا يأخذ العقل وحده بالتَّحرُّج في أحكامه، والتثبت في استقرائه، إنما يصل ذلك التَّحرُّج بالقلب في خواطره ومشاعره وفي أحكامه، فلا يقول اللسان كلمة ولا يروي حادثة ولا ينقل رواية، ولا يحكم العقل حُكماً ولا يُبرم الإنسان أمراً إلا وقد تَثَبَّت من كل جزئية ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة، فلا يبقى هنالك شك ولا شبهة في صحتها.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي