يتوقف النصر الإلهي على وحدة المؤمنين وتوحيدهم ضد الأعداء نصرة لدين الله. وهذه الوحدة تعني تكاتف المؤمنين وتعاونهم في الدفاع عن الحق ومواجهة الظلم.
يظهر التاريخ بوضوح أن سنن الله وشرائعه تختلف بشكل كبير عن المعادلات البشرية. في كثير من الأحيان وفي اللحظات التي كانت لدينا فيها فكرة الفشل، أعطانا الله النصر وفي المواقف التي واجهنا فيها اختبارات إلهية، وأصابتنا الشكوك، دعانا إلى إعادة النظر في معتقداتنا بفضل بركاته وعونه. وهذه التجارب لم تزد من ثقتنا في قدرة الله فحسب، بل جعلت إيماننا بالله تعالى ومعتقداتنا أكثر عمقا أيضًا.
وتذكرنا هذه العملية المتكررة عبر التاريخ بأنه لا ينبغي لنا أن نكتفي بالأحكام المبكرة والسطحية. كل تجربة مريرة أو مخيبة للآمال هي فرصة لنمو الإيمان وتقويته. تدفعنا تحديات الحياة إلى التفكير أكثر في السنن الإلهية وهي تظهر بأنه على عكس خيالنا، فإن الله دائمًا بجانبنا ويوفر لنا طريقا أوضح.
والآن بعد أن أصبحنا في معركة غير متكافئة ضد جميع جبهات الكفر والنفاق، ونشهد مجزرة الشعب المضطهد في غزة ولبنان على الجانب الآخر من الحدود على يد كيان وحشي قاتل للأطفال، فتتجلى مرة أخرى أهمية مطابقة الإيمان والعمل للوقوف في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة.
وفي مثل هذا الوضع، يذكرنا التاريخ والتجارب السابقة أنه على الرغم من أن الوضع الظاهري قد يكون صعبا ذا تحديات، يجب علينا تعزيز الهياكل العسكرية وتعزيز وحدة العالم الإسلامي، ومن ثم نقوي بنيتنا الوجودية بالصبر والتوكل والرجاء بالنصر اللهي ووعوده التي لا تنقض بدعم من الإيمان والاعتقاد بعون الله في المواقف الصعبة للمعركة.
وقد أكد قائد الثورة الإسلامية على هذه المسألة في لقائه الأخير مع أعضاء مجلس خبراء القيادة، مشيراً إلى آيات من القرآن الكريم، وقال:
“بسبب الوعد الإلهي، فمثال هذه الآية الكريمة ينطبق على أحداث هذه الأيام:
«اُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِاَنَّهُم ظُلِموا وَ اِنَّ اللَهَ عَلي نَصرِهِم لَقَدير* اَلَّذينَ اُخرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ اِلّا اَن يَقولوا رَبُّنَا اللَهُ وَ لَو لا دَفعُ اللَهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَهِ كَثيراً».
يقصفون الكنائس، يقصفون المستشفيات، يقصفون المساجد؛ يعني أنه في الحقيقة مثال كامل [لهذه الآية]. وهو «دَفعُ اللَهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ».فما نتيجتها؟.
النتيجة هي: «وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»؛” مع هذا التأكيد في هذه العبارة.
“وهذا “دفع الناس بعضهم ببعض” يعني “دفع الظالم بالمظلوم، دفع الغاصب والمعتدي بجهاد المجاهدين في سبيل الله، ونتيجته:«وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ».
حسنًا، هذا وعد إلهي؛ يعني أنه أمر إلهي ولا يجوز الشك فيه. ولا يجوز الشك في وعد الله. وهذا وعد من الله عز وجل. لقد حدث نفس الشيء حتى الآن.”
والآيات التي ذكرها قائد الثورة الإسلامية تتعلق بالآيتين 39 و40 من سورة الحج المباركة:
«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَ لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (40).
وبشكل عام تحوي هاتان الآيتان ثلاث رسائل مهمة كما يلي:
1. ضرورة الاصطفاف في وجه الظالمين: فهذه الآيات تتيح للمسلمين الدفاع عن أنفسهم ضد الظلم والعدوان. وهذا الدفاع ليس حقاً فحسب، بل يصبح واجباً في ظروف ما لمنع الظلم. وتسلط هذه الرسالة الضوء على أهمية انعدام العدالة وضرورة مواجهة الظلم.
2. الوحدة أمام الأعداء: تؤكد هاتان الآيتان على أهمية الوحدة والتضامن بين المؤمنين بالإشارة إلى الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق. ويعمل هذا التحالف كقوة رادعة ويمنع تدمير أماكن العبادة. يمكن للمسلمين معًا أن يشكلوا قوة عظمى ضد أعدائهم.
3. انتظار النصر الإلهي:
هذه الآيات تعطي الأمل والطمأنينة للمؤمنين بأن الله ينصر المجاهدين في طريق الحق. وهذا الوعد الإلهي ليس تشجيعًا فحسب، بل هو تشجيع أيضا على التمسك بالعدل والنضال من أجل الحق. والله سبحانه وتعالى هو القوة التي لا تقهر وينصر أنصار الدين.
ولذلك فإن النصر الإلهي مرهونة بوحدة المؤمنين واتحادهم ضد الأعداء لنصرة دين الله. وهذه الوحدة تعني تكاتف المؤمنين وتعاونهم في الدفاع عن الحق ومواجهة الظلم. وهذا التضامن لا يزيد من قوتهم الجماعية فحسب، بل يضع أيضًا حجر الأساس لطلب النصرة والدعم الإلهي. وكما جاء في الآية فإن الله ينصر المجاهدين في سبيله.
ومن ناحية أخرى، فإن الوحدة بين المؤمنين يجب أن تكون مصحوبة بممارسة التعاليم الدينية. ولا يكفي التضامن الظاهري وحده، بل يجب أن يكون مصحوبا بالنية الخالصة والعمل بالأوامر الإلهية لتحقيق النصر الإلهي. وهذا جهد لا يسعى إلى تحقيق المنفعة الفردية فحسب، بل يسعى أيضًا إلى تحقيق الخير الجماعي والاجتماعي.