ينشأ الوَقار من احترام النفس أولاً، وتقديرها، والإيمان بأن الله أفاض عليها الكرامة والعِزَّة، واستخلفها عنه في الأرض، فيجدر بها أن تُصان وتُعَزّ، وتتسامى عن كل عيب ونقصٍ ودَنِيّة.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ تَوَقَّرَ وُقِّرَ”.
وتفيض هذه الجوهرة الكريمة بالحكمة، وترسم منهجاً متيناً يبلغ المرء به مرتبة الاحترام والتقدير في نفسه وفي المجتمع، وتشير إلى حقيقة نفسية واجتماعية مهمة، وهي أن الشخص الذي يتحلَّى بالوَقار يجد احتراماً وتقديراً في المجتمع، وتصوغ ذلك على شكل معادلة يتحقق مشروطها إن تحقق شرطها.
ومِمّا لا شَكَّ فيه أن للوَقار أثراً عميقاً على حياة الإنسان وعلى علاقته بالآخرين، فهو يجعله يحظى بمكانة رفيعة ويُكسِبُه ثقة المجتمع، فضلاً عن شعوره النفسي بالسُّؤْدُدِ والنُّبل والكرامة.
الوقار في اللغة: هو السكينة والرَّزانة. وعُرِّف أيضا: بأنه هيئة متزنة في القول والفعل، تعكس نُضج الإنسان واتزانه في تفكيره، وقراراته، ومواقفه، وأفعاله، وأقواله، وانفعالاته العاطفية، فالوقار هو اتزان داخلي يظهر في تصرّفات الإنسان وأسلوبه في التعامل مع نفسه ومع الآخرين.
الوقار يُكسِبُ الإنسان احتراماً كبيراً، ويجعل منه شخصية محبوبة ومؤثرة في المجتمع، والشخص الذي يتحلّى بالوقار يُصبِح رمزاً للثبات والاستقامة والرزانة ورجاحة العقل، ويُنظرُ إليه على أنه شخص يمتلك حكمة ونُضجاً، ويساعد الوَقار صاحبه على اتخاذ القرارات الصائبة، ومواجَهة التحدِّيات والصعوبات بثبات ورباطة جأش، ويساهم في تعزيز الثقة بالنفس، واحترامها وتقديرها، ورفع مستوى تأثير الإنسان في محيطه، لأنه يصبح جديراً بالثقة والإجلال، ومحطَ أنظار الناس ومهوى أفئدتهم، وقدوة لهم.
وينشأ الوَقار من احترام النفس أولاً، وتقديرها، والإيمان بأن الله أفاض عليها الكرامة والعِزَّة، واستخلفها عنه في الأرض، فيجدر بها أن تُصان وتُعَزّ، وتتسامى عن كل عيب ونقصٍ ودَنِيّة.
وينشأ ثانياً من القرب من الله تعالى، لأن من أهم علامات الإيمان اتزان السلوك والقول، وهذا ما دعا إليه القرآن الكريم، حيث يقول في وصف عباد الرحمان: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿63/ الفرقان﴾ فهذه هي سِمَة عباد الرحمان الأولى، الوقار والاتزان، إنهم يمشون على الأرض مشية سهلة هينة، ليس فيها تَكَلُّفٌ ولا تَصَنُّع، وليس فيها خيلاء ولا تصعير خد، فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية، وعَمّا يستكن فيها من مشاعر، والنفس الوقورة المطمئنة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها، فيمشي مِشية سوية مطمئنة فيها وقار وسكينة، وفيها جِدٌّ وقوة، وهم في جِدِّهم ووقارهم لا يتلفتون إلى حماقة الحَمقى وسَفَه السُّفَهاء، ويترفَّعون عن المُهاترة مع المُهاترين الطائشين.
ويساعد على الوَقار الاقتداء بأهل الوقار، والتَّشَبُّه بهم، فمن تشَبَّه بقوم صار مثلهم أو قريباً منهم، ومن أهم القُدُوات في هذا المجال الأنبياء والرُّسل والأئمة (ع) ومن يليهم من الصالحين على طول المسيرة البشرية، فلقد كان الأنبياء والأئمة (ع) مثالاً رائعاً للوَقار، كانوا يتعاملون مع الجميع برفق وهدوء، ويُظهِرون اتزاناً في أقوالهم وأفعالهم.
ومن أبرز هذه النماذج رسول الله (ص)، الذي كان يوصَفُ برصانته وحكمته في التعامل مع المواقف الصعبة، وهو الذي قال فيما رُوِيَ عنه: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا” وكان الإمام الإمام علي (ع) يُجَسِّد الوَقار في تعامله مع الناس حتى في أوقات الحروب، وهو الذي قال فيما رُوِيَ عنه: “إِنَّ الْوَقَارَ يُزَيِّنُ الْحَسَبَ وَيُبْعِدُ الْعَارَ”. وقال: “الوَقارُ حِلْيَةُ الكِرامِ”، بمعنى أن الوقار زينة للإنسان الكريم، ويضفي عليه جمالاً ويُكْسِبه احتراماً.
وأكثر ما يحتاج المَرء إلى الوقار حين تعصف به الأزمات وتَعظُم المُلِمّات، التي يهتز الناس فيها ويحارون، ويتزلزلون ويتراجعون، وقد تصدر منهم مواقف لا تليق بهم، وأفعال تقبح من أمثالهم، وقرارات مُرتَجَلة غير مدروسة، ولهذا ذكر الإمام أمير المؤمنين (ع) الوقار كواحدة من أهم صفات المتقين التي تتجلَّى في الأزمات، فقال: “في الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْـمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ”.
فمن المهِمِّ لمن أراد التحلي بالوقار أن يُدَرِّب نفسه على الهدوء، وضبط النفس، والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية، والتفكير في الأمور، والتدبُّر في عواقبها، والمراقة الدائئمة لنفسه وسلوكياتها، والإفاادة من تجارب القدوات بقراءة سِيَر الأنبياء والأئمة (ع) والصالحين من عباد الله، والمواظبة على قراءة القرآن والأدعية الشريفة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي