الإسلام دين الحياة، وهو بذلك يدعو الإنسان إلى أن يمارس هذه الحياة بالحضور والمساهمة والإنتاج، وإلى أن يكون هذا الحضور متسمًا بالعزّة والكرامة والشرف، مما لايمكن أن يتحقّق إلا بالحرية التي هي في طليعة حقوق الإنسان، والتي تعد في الرؤية الإسلامية، قيمة كبرى، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة.
أقيم في مدينة مشهد مؤتمر دولي باسم (الكرامة الإنسانية) تحدث فيه العلماء والمفكرون عن مكانة الكرامة الانسانية في الاسلام، وأوضحوا ما يواجهها اليوم من تحديات وما يجب على البشرية عامة وعلى المسلمين بشكل خاص من واجبات لصيانة هذا المبدأ الانساني الاسلامي الهام.
جدير بالذكر أنه في تقويم الجمهورية الاسلامية الإيرانية عشرة أيام باسم (عشرة الكرامة) تمتد بين ولادة السيد فاطمة بنت الامام موسى بن جعفر (ع) ومرقدها في مدينة «قم» الى ولادة أخيها الامام علي بن موسى الرضا(ع) ومرقده في مدينة «مشهد».
وهذا الاهتمام بالكرامة الانسانية له انعكاس في دستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية الذي نصّ في المادة الثانية منه على أن نظام الجمهورية الاسلامية يقوم على (الايمان بكرامة الانسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة المسؤوليته أمام الله تعالى) الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري خصص مقاله الى المؤتمر الحادي عشر للوحدة الاسلامية لموضوع (الكرامة) جاء فيه:
إن الكرامة الإنسانية ترتبط في المفهوم الإسلامي بالحرية وبالمسؤولية، فهي ليست كرامة بدون دلالة عملية تنعكس في سلوك الفرد ومعاملته لأعضاء الأسرة البشرية. ولعل من أعمق البحوث التي عرضت لهذا الجانب من الكرامة الإنسانية ما كتبه عباس محمود العقاد في كتابه الإنسان في القرآن، حيث يقول: «إن مكان الإنسان في القرآن الكريم ، هو أشرف مكان له في ميزان العقيدة، وفي ميزان الفكر، وفي ميزان الخليقة التي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات، هو الكائن المكلف، وهو أصوب في التعريف من قول القائلين (الكائن الناطق) وأشرف في التقدير».
إن المسؤولية والحرية ترتبطان في المنظور الإسلامي بالكرامة الإنسانية ارتباطًا وثيقًا; فاللّه تعالى الذي كرم بني آدم، هو الذي – سبحانه – جعل الإنسان مسؤولاً عن عمله، فردًا وجماعة، لا يؤخذ واحد بوزر واحد، ولا أمة بوزر أمة; ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ (الطور: 19 ) ، ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 285) ، ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإنسان إِلا مَا سَعَى﴾ (النجم: 38) ، ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 8 – 9 )، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (الإسراء: 15 ) . فهي إذن، كرامة إنسانية مسؤولة تنبع من إحساس المرء بوجوده الحر، وبذاتيته المتفردة، تترتب عليها تبعات، إن نهض بها صاحبها على النحو الذي يرضي الله أولاً ثم يرضي ضميره، كان منسجمًا مع كرامته، مستمتعًا بها، موفيًا لها حقها من المراعاة والاعتبار، ومن الحفظ والصون..
لقد جعلت المبادئ الإسلامية الإنسان سيد نفسه في كنف عبوديته للّه، فهو مخلوق مكرم، استخلفه الله في الأرض لتعميرها، وليعبد الله بأنواع الطاعات والعبادات التي لا تعد ولا تحصى، فالإنسان المؤمن يعبد الله في كل الأحوال، بعقله وضميره، وبقلبه وجوارحه. ومن عبوديته للّه، ومن طاعته للذات الإلهية وعبادته لها، يستمد الإنسان إحساسه العميق بالكرامة ، وشعوره بالاعتزاز والارتياح والرضا والطمأنينة لفعله الخيرات، ولإقباله على الطاعات…
إن الإسلام جعل أعلى درجات التكريم والإكرام للإنسان هي التقوى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات/ 13) ، ولذلك فكرامة الإنسان هي في تقرّبه إلى اللّه، بأتّباع تعاليم دينه ووصاياه، وباجتناب نواهيه وما حرمه على عباده. وهذا السلوك المستقيم السوي هو عين التقوى، إذ ليست التقوى شيئًا مجردًا، ولكنها إيمان وعمل وسلوك وممارسة وإقبال على فعل الطاعات والحسنات. وكلما أوغل الإنسان في هذه الطريق السالكة المؤدية إلى رضا اللّه على عبده، كان أوفر كرامة، تفيض عليه، وتغمره، وتملأ نفسه رضا وسكينة وطمأنينة وثقة في اللّه.
وللشيخ محمود شلتوت تعريف لطيف وبصير للتقوى في تفسيره حيث يقول: «أما تقوى اللّه تعالى، فهي ترفع في معناها العام إلى اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه وفي جنسه، وما يحول بينه وبين المقاصد الشريفة والكمال الممكن في الدنيا والآخرة. والتقوى ليست خاصة بنوع من الطاعات، ولا بشيء من المظاهر، وإنما هي كما قلنا، اتقاء الإنسان كل ما يضره في نفسه وفي جنسه، وما يحول بينه وبين الكمال الممكن. ومن ثمرات التقوى حصول الفرقان – ما يفرق به المرء بين الخير والشر والضار والنافع في هذه الحياة – فالعلم الصحيح، والقوّة، والعمل النافع، والخلق الكريم، وما إلى ذلك من آثار التقوى، والتقوى هي الشجرة والفرقان هو الثمرة».
إن الإسلام دين الحياة، وهو بذلك يدعو الإنسان إلى أن يمارس هذه الحياة بالحضور والمساهمة والإنتاج، وإلى أن يكون هذا الحضور متسمًا بالعزّة والكرامة والشرف، مما لايمكن أن يتحقّق إلا بالحرية التي هي في طليعة حقوق الإنسان، والتي تعد في الرؤية الإسلامية، قيمة كبرى، سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة.
إن استرجاع الكرامة الوافرة للأمة الإسلامية، يكمن في عودتها إلى دينها تستلهم منه أسس التقدم في الحياة. وإذا ترجمنا هذا المبدأ العام إلى لغة العصر، فيمكن لنا أن نقول إن ردّ الاعتبار للعقل الإسلامي حتى يسود ويقود الأمة نحو المستقبل، ينبغي أن يكون عملية جماعية، وجهدًا مشتركًا بين جميع مكوّنات الأمة الإسلامية في إطار التضامن الإسلامي، ومن منطلق الإيمان بأن كرامة الأمة في تقدمها وازدهارها، فهناك شبه إجماع بين مفكري الأمة على أن أبرز السمات الاستراتيجية للعقل الإسلامي المستقبلي هي: التقدم، الإبداع، التجذّر، التمثل ، العقلانية، التنظيم والفعالية والاتقان، الحرية والمسؤولية والمشاركة، التكيّف». انتهى كلام التويجري.
وبعد فإن الكرامة هي مطمح المؤمنين بالله في ظل الدولة الكريمة، ويكررون في دعائهم.
(اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية