إن التكبر على الله يعني رفض الإقرار بعظمته المطلقة وسُلطانه الكامل، والسَّعي لمزاحمة إرادته أو تجاوز حدوده، وقد يظهر هذا التكبر في صور متعددة.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ تَكَبَّرَ عَلى اللّهِ تَعالى في سُلْطانِه صَغَّرَهُ”.
معادلة أخرى يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع) وإنما هي معادلة لأنها قضية شرطية إذا تحقق الشرط تحقق المشروط، فكما نقول: إذا طلعت الشمس بدأ النهار، فلا يمكن أن تطلع الشمس ثم لا يكون نهار، كذلك الأمر في هذه المعادلة: الشرط هو أن يتكبر الإنسان على الله تعالى في سلطانه، والمشروط وهو النتيجة أن يُصغِّرَه الله ويُذِلَّه، فنحن أمام سُنَّة من سُنَنِ الله تعالى، مفادها: أن التَّكَبُّر على الله يؤدي إلى إذلال الإنسان وتصغير شأنه.
وعليه فالمعادلة تتحدث عن علاقة الإنسان بالله، وتبيّن أثر التكبر والاستعلاء عليه تعالى على مكانة الإنسان ونتيجته في الدنيا والآخرة، وتدعو بمفهومها إلى التواضع أمام الله، وهو صاحب السلطان المطلق، والتواضع والتذلل بين يديه تعالى هو جوهر العبودية الحَقَّة.
والتكبر على الله يعني رفض الإقرار بعظمته المطلقة وسُلطانه الكامل، والسَّعي لمزاحمة إرادته أو تجاوز حدوده، وقد يظهر هذا التكبر في صور متعددة:
فقد يظهر بصورة إنكار ألوهيته، أو رُبوبيته، أو حاكميته، أو رفض شريعته، والعصيان لأوامره ونواهيه، مثل إبليس الذي عصى أمر الله بالسجود لآدم، قال تعالى: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿34/ البقرة﴾، والذي حمله على عصيان أمر الله واستكبااره على إرادته توَهُّمُه أنه خير من آدم، قال تعالى: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴿12/ الأعراف﴾.
ويظهر التكبُّر على الله بصورة انتفاخ شخصية المَرء خصوصاً حين يكون ذا سلطان وجاه وقدرات، وبين يديه إمكانيات مادية وبشرية تلعب برأسه فيدّعي الأولوهية والسُّلطة المُطلَقة، كما فعل فرعون بقوله: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ” ﴿24/ النازعات﴾ وقوله: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي…” ﴿38/ القصص﴾ وهذا هو منطق كل الطغاة والجبابرة على طويل المسيرة البشرية.
ويظهر التكبُّر على الله أيضاً بصورة التَّعدّي على حقوق الله تعالى مثل إنكار نِعَمِه وفضله، أو استغلالها في معصيته، ويظهر بصورة الظلم لخلق الله والطغيان عليهم، واعتقاد الظالم الطاغي أنه فوق المحاسبة، ويظهر بصورة الاحتكام إلى الهوى بدلًا من شرع الله: قال تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ”﴿23/ الجاثية﴾.
هذه الصُّوَر وسواها من التكبُّر على الله تعالى هي الركن الأول من أركان المعادلة، وهي شرط كامل وسبب ناجز لتحقُّق الركن الثاني منها، وتَرَتُّب النتيجة عليها وهي قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “صَغَّرَهُ الله” التصغير هنا يحمل معنيين رئيسيين:
الصَّغار المَعنوي: وهو أن يُنزِل الله المتكبر إلى الحضيض، فلا تكون له كرامة بين الناس، بل ينفضّون عنه، كما قال تعالى: “وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ”﴿18/ الحج﴾ فلا كرامة إلا بإكرام الله، ولا عِزَّة إلا بعِزَّة الله، وقد ذَلَّ وهان من دان لغير الله، وذلَّ وهان من استكبر على الله، والتاريخ مليء بالشواهد، والحاضر يمضي على منوال الماضي، فلكلِّ متكبر على الله ساعة سيُهانُ فيها ويُذَلّ، وسيعلوه الصَّغار والهَوان.
الصَّغار في الآخرة: وهو العقاب والهَوان الذي ينتظر المتكبرين يوم القيامة. قال تعالى: “سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴿124/ الأنعام﴾
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي