إن المقصود بمخادعة الإنسان لله تعالى هو تظاهر العبد بالإيمان والطاعة بينما يخفي في قلبه النفاق والكفر والعصيان، أو أن يقوم بأعمال الخير رياءً من أجل نيل مدح الناس أو الحصول على مكاسب دنيوية، وليس ابتغاء مرضاة الله تعالى.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ خادَعَ اللّهَ خُـدِعَ”.
معادلة أخرى يذكرها الإمام (ع)، وقد كشف القرآن الكريم النقاب عنها من قبل، وهي تعكس خطورة النفاق في العلاقة بين الإنسان وربه، وبينه وبين الناس، وارتداد عواقبه على المنافق نفسه، وتشهد للعدل الإلهي، والجزاء القائم على السنخية بينه وبين العمل، بحيث يُجازى الإنسان بذات عمله في الدنيا وفي الآخرة، فالمخادعة ذاتها تنقلب عليه، وبدل أن يكون مخادعاً الله والناس يصبح مَخدوعاً بمخادعته.
المقصود بمخادعة الإنسان لله تعالى هو تظاهر العبد بالإيمان والطاعة بينما يخفي في قلبه النفاق والكفر والعصيان، أو أن يقوم بأعمال الخير رياءً من أجل نيل مدح الناس أو الحصول على مكاسب دنيوية، وليس ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهو نوع من النفاق الذي ذُكِرَ في القرآن الكريم في عدة مواضع، مثل قوله تعالى: “يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”﴿9/ البقرة﴾.
أي يعملون عمل المخادع الذي يريد أن يصل إلى أغراضه بطريقة خفيَّة لا يشعر بها المخدوع، فيُظهِرون غير ما يُبطنون، ليحصلوا على ثقة المؤمنين، وينالوا بذلك المنافع المادية والجاه الاجتماعي، ولكن جهودهم تذهب هباء منثوراً، ومحاولتهم هذه كرماد اشتدت به ريح عاصف، فإنهم لا يخدعون إلا أنفسهم عند ما يوحون إليها أنهم ينجحون في هذه الأساليب الملتوية، ولا يلتفتون إلى أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يكشف واقعهم للمؤمنين ليحذروا منهم.
إن محاولة الإنسان خِداع الله هي في حقيقتها خداع للنفس، لأن الله عليم بذات الصدور ولا تخفى عليه خافية إنه يعلم السر وأخفى، ومن ذا الذي يخادع الله العليم الخبير المحيط بالأشياء كلها، من ذا الذي يخدع الله العالم بما توسوس به النفوس، والذي لا يعزب عن علمه شيء ولو كان قَدْر ذَرَّة، الحَقُّ أنه لا يخادع الله إلا الجاهل الأحمق، الذي ينتفخ في نفسه فيتوَهَّم أنه ذكي حاذق، وداهية يعرف كيف يتلوَّن بما يناسب المقام، ولكنه يغفل عن أن المرء مخبوء وراء لسانه، والناس يعرفونه من فلتات لسانه ولَحنِ قوله، وكما أن للمؤمن سَيماءٌ يُعرَفُ بها كذلك للمنافق سِمات في أقواله وأفععاله وتصرُّفاته يُعرفه الناس بها، فكيف بالله الذي يعرِف الخَبءَفي السماوات والأرض، وهو اللطيف الخبير؟!
في آية أخرى يقول الله تعالى: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ”﴿142/ النساء﴾ ولَمّا كان الله تعالى لا يكون منه خداع، فيكون معنى قوله “وَهُوَ خَادِعُهُمْ” أن الله تعالى يجازي المخادع بخداعه، فيصير خادعاً نفسه في الحقيقة، كما يقال: يردُّ كيده في نحره. وهذا من عدله تعالى أن يجازي المخادع بنفس فعله بحيث يرتدُّ خداعه عليه نفسه.
وبعبارة أوضح: إن خداع الله للإنسان هو معاملة بالمثل وفق عدله وحكمته، لكنه ليس خداعاً حقيقياً بمعنى الكلمة، بل هو رد فعل لأفعال الإنسان.
ومن صور هذا الخداع: أن يمهله الله ويزيد في ابتلائه، فيُظهر له أن خداعه غير مكشوف ثم يكشف حقيقته في الدنيا قبل الآخرة، ويُظهر حقيقته أمام الناس ويفضحه، ويُضِلُّه كذلك بسبب اختياره الضلال.
أما لماذا يلجأ البعض إلى مخادعة الله والمؤمنين؟ فأسباب ذلك عديدة أهمها: النفاق وضعف الإيمان، وحُبُّ الدُّنيا، حيث يقوم بالأعمال الصالحة رياءً ليحصل على مكاسب دنيوية مثل المال، والشهرة، أو المكانة الاجتماعية، وعدم فهم حقيقة الجزاء الإلهي، فقد يظن البعض أن الله لن يكشف نفاقهم أو أن الجزاء الإلهي بعيد، فيتمادون في خداعهم.
وللخداع صور: فمنها الرياء في العبادة: كأن يُصلي أو يُزكي أمام الناس ليُقال عنه إنه متدين، ومنها إظهار الإيمان وإخفاء النفاق: كما فعل المنافقون في زمن النبي (ص) ومنها التحايل على أوامر الله: كمن يلتزم بظاهر الشريعة ولكنه يتحايل على تطبيق أحكامها.
خلاصة القول: إن عبارة الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ خَادَعَ اللَّهَ خُدِعَ” تحمل تحذيراً عظيماً من الرياء والنفاق، وتدعو إلى الإخلاص في العبادة والعمل. فالله تعالى عليم بخفايا النفوس، ولا يمكن خداعه، وعلى الإنسان أن يدرك أن مخادعته لله تعود عليه بالضرر والخسران، في الدنيا والآخرة، لذلك يجب أن نكون صادقين مع الله، ساعين إلى رضاه وحده، لننال بركة الطاعة وسعادة الآخرة.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي