الحق هو جوهر الوجود وأساس كل شيء، فالله تعالى هو الحق، وقد أقام الكون كله على الحق، وأجرى حركته على الحق، وبعث الأنبياء وأرسل الرسل بالحق.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ صارَعَ الْحَقَّ صُرِعَ”.
الحق هو جوهر الوجود وأساس كل شيء، فالله تعالى هو الحق، وقد أقام الكون كله على الحق، وأجرى حركته على الحق، وبعث الأنبياء وأرسل الرسل بالحق، وأنزل الكتاب بالحق، وسّنَّ شريعته بالحق وعلى الحق، ويريد للإنسان أن يقيم حياته على الحق، وينشئ علاقاته على الحق، وأن يكون الحق رائده ومنطلقه وغايته.
والحق هو كل ما كان ثابتاً وصحيحاً في ذاته، وما يجب أن يكون، يقابله الباطل الذي يكون ثابتاً ولا صحيحاً في ذاته، ولا يجوز أن يكون، والحق هو ما يتفق مع الإرادة الإلهية وسُنَنِ الله في الكون، يقول الله تعالى: “وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿81/الإسراء﴾ إن الحق يجيء والباطل يُزهَق، فمن طبيعة الحق الثبات والحياة، ومن طبيعة الباطل الزهوق والبطلان، الباطل ينتفخ، ولا يطمئن إلى حقيقة، ومن ثم يحاول أن يمَوِّه على العين، وأن يبدو عظيماً راسخاً، ولكنه هَشٌ ضعيف، كالزبد يطفو على الماء ولكنه يذهب جفاء ويبقى الماء، لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته، إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وأسناد غير طبيعية، فإذا تخلخلت تلك العوامل تهاوى وانهار.
فأما الحق فمن ذاته يستمد عناصر وجوده، قد تقف ضده الأهواء، وتقف ضده الظروف ولكن ثباته واطمئنانه يجعل له العقبى و يكفل له البقاء، لأنه من عند الله والله هو الحق، وهو الحي الباقي الذي لا يزول.
والحق في الدين الإسلامي يشمل:
الحق العقائدي: وهو الإيمان بالله، ورُسُله، ورسالاته، وكتبه، وملائكته، والإيمان بعدله، والإيمان بالمعاد إليه في عالم الآخرة.
والحق الأخلاقي: الإيمان بالقِيَم الأخلاقية السامية التي فُطِرَ الإنسان عليها، والالتزام بها، وجعلها الأساس الذي تقوم عليه علاقات الإنسان بالله، وبنفسه وبالإنسان، وبالطبيعة، وجعلها المعيار للحكم على الأفعال والمواقف، والالتزام بها.
الحق الاجتماعي: إنصاف المظلوم، وإعطاء الحق لكل ذي حق، واحترام حقوق الآخرين، بشرا كانوا، أم حيوانا، أم نباتاً، وإقامة العدل بين الناس، وملء الحياة الإنسانية بالقِسط.
الحق الكوني: وهو سنن الله التي لا تتغير ولا تتبدَّل ولا تتحوَّل، وهي جارية في الكون على الحق وفق ما يشاؤه الله تعالى.
لماذا يصارع الإنسان الحق؟
صراع الإنسان مع الحق يعود إلى أسباب متعددة:
أولها: اتباع الهوى والميل إلى الشهوات: فإن الإنسان عموماً يحب الحق، ويطلبه، ولكن معظم الناس يأبَون التسليم له حين يتعارض مع أهوائهم، ويحدُّ من ميلهم إلى الشهوات، فيختارون طريق الباطل لإشباع رغباتهم دون اعتبار للحق.
الثاني: الجهل: فكثيراً ما يجهل الإنسان الحق بسبب عدم البحث عنه، أما المؤمن الحق فهو الذي لا يغمض له جَفن، ولا تقرُّ له عين حتى يعرف الحق ويستمسك به.
الثالث: الكِبْر والعِناد: فما أكثر الذين يرفضون الحق بسبب الغرور أو التعصب، كما فعل إبليس حينما أمره الله بالسجود لآدم.
الرابع: المصالح الشخصية: فكثيراً ما يُصارع الإنسان الحق لحماية مكاسبه الدنيوية.
كيف يتمظهر صراع الإنسان مع الحق؟
إن مصارعة الحق تظهر بطرق عديدة: من رفض القيم والمبادئ الإلهية، مثل إنكار وجود الله أو رفض تعاليم الأنبياء، والإفساد في الأرض، والظلم والطغيان، ونشر الباطل وتشويه الحقائق، كتحريف الدين أو نشر البدع.
أما النتائج المترتبة على مصارعة الحق، فأبرزها: الهلاك في الدنيا، والفضيحة، والندم والخذلان في الآخرة.
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ صَارَعَ الحَقَّ صُرِعَ” يعكس حكمة عميقة بأن الحق دائماً منتصر، وأن من يقف في وجهه يهلك عاجلاً أو آجلاً، فالحق هو امتداد الإرادة الإلهية التي لا تقبل التبديل، وعلى الإنسان أن يتأمل في نفسه ويبحث عن الحق، ملتزماً بما يرضي الله تعالى، متجنباً مصارعته.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي