Search
Close this search box.

مَنْ نَسِيَ اللّهَ أَنْساهُ نَفْسَهُ

مَنْ نَسِيَ اللّهَ أَنْساهُ نَفْسَهُ

إن نسيان العبد لله تعالى لا يعني بالضرورة الجهل بوجوده، بل يشير إلى الغَفلة عن ذكره والإعراض عن طاعته، وترك الالتزام بالفرائض والواجبات: كالإهمال في الصلاة، والصيام، وسائر العبادات، بسبب الإنشغال بأمور دنيوية.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ نَسِيَ اللّهَ أَنْساهُ نَفْسَهُ”.
تشكّل كلمات الإمام علي (ع) نبراساً من الحكمة يستنير بها المؤمنون، بل غير المؤمنين بالله تعالى، وتعبر هذه الجوهرة الكريمة عن معادلة إلهية تربط بين نسيان الإنسان لله ونتائجه الوخيمة على الفرد، وتُبرِز أثر النسيان على علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بالله خالقه ورازقه ومدبِّر أموره، وهو ما يظهر في السلوكيات اليومية والعواقب الروحية والنفسية.
إن نسيان العبد لله تعالى لا يعني بالضرورة الجهل بوجوده، بل يشير إلى الغَفلة عن ذكره والإعراض عن طاعته، وترك الالتزام بالفرائض والواجبات: كالإهمال في الصلاة، والصيام، وسائر العبادات، بسبب الإنشغال بأمور دنيوية يمكن تأجيلها لوقت قصير، -ولا تتعارض مع طلب الدنيا، والسعي فيها خلف الرزق وما يحتاج إليه- والانشغال بالدنيا عن الآخرة، كأن الدنيا هي الحياة الأبدية التي لا تعقبها حياة أبدية أخرى أرقى وأعلى، ووضع الشهوات والملذات في مقام الأولوية، والإقبال الكُلّي على الماديات، أو يقضي الشخص كل أوقاته في جمع المال من دون أن يؤي ما عليه من حقوق في ماله، فعدم تذَكُّر الله في العمل والسلوك، يؤدي إلى انحراف القلب عن الصراط المستقيم، وهذا هو نسيان العبد لله تعالى.
أما عن الأسباب التي تدعو الإنسان إلى نسيان الله تعالى فكثيرة أهمها الغرق في حب الدنيا المتمثل في حب المال، والسلطة، والجنس، واتباع الشهوات، كما في قوله تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14/ آل عمران﴾ في هذه الآية الكريمة يكشف الله لنا عن البواعث الفطرية الخفية التي من عندها يبدأ الانحراف، إذا لم تُضبَط باليَقَظَة الدائمة، وإذا لم تتطلع النفس إلى آفاق أعلى، وإذا لم تتعلق بما عند الله وهو خير و أزكى.

ومن الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى نسيان الله تعالى البيئة الظالمة التي تضغط على الإنسان، وتدعوه إلى الإعراض عن الله تعالى، والصحبة السيِّئة، ومرافقة أهل الغَفلة، والابتعاد عن أهل التقوى.

ومنها: الجهل بالدين، ونقص العلم والمعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه، والناس أعداء ما جهلوا كما جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع).

ومنها: الغُرور بالنفس، واعتقاد الإنسان باستغنائه عن الله تعالى كما قال سبحانه: “كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿6﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴿7/ العلق﴾ رغم أن الذي أعطاه فأغناه هو الله، كما أنه هو الذي خلقه وأكرمه وعَلَّمه، ولكن الإنسان في الأَعَمِّ الأغلب من أفراده إلا مَن يعصمه عقله وإيمانه لا يشكر حين يُعطى فيستغني، ويتجاهل مصدر النعمة التي أغنته، ثم هو يطغى ويفجُر، ويبغي و يتكبَّر، وينسى المُنعِم عليه ويُعرِض عنه.

لقد أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم عن هذا الصنف من الناس الذي ينسى الله ويُعرِض عنه، وذكره كواحدة من الصفات الأساسية للمنافقين والفاسقين فقال: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿67/ التوبة﴾ وقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿19/ الحشر﴾.
إن نسيان الله يؤدي من جهة إلى انغماس الإنسان في اللَّذّات المادية والشهوات الحيوانية، وينسى خالقه، فيهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشدُّه إلى أفق أعلى، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السّائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته، وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى، وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدّخِرُ لها زاداً للحياة الطويلة الباقية، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل