إن القرآن الكريم والروايات الشريفة كلاهما يؤكّدان على ضرورة المُداومة على السلوكيات الإيجابية، والعادات النبيلة، والعبادات المنصوصة، مثل الصلاة، والذكر، وسوى ذلك، باعتبار إن المداومة عليها جميعاً تُشكِّل شخصية الإنسان وتصبَغه بصبغتها الخاصّة
وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ”.
معادلة أخرى ينبِّه إليها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي تعكس أهمية المداومة على السلوك والعمل في تحديد هُوِيَّة الإنسان وترسيخ مكانته في مجتمعه، العمل المستمر هو الذي يُكوِّن شخصية الإنسان ويُحدّد قيمته في المجتمع، فمن خلال المداومة على عمل معين، سواء كان خيراً أم شراً، يُصبح ذلك العمل صفة ملازمة له، ومعياراً يحكم الناس به عليه.
فإذا كان السلوك المكرر فضيلة، كالصدق، والأمانة، والكرم، والمروءة والانكباب على التحصيل العلمي، فيُعرَف الشخص بأنه صادق، أمين، كريم، وعالم أو طالب علم، وإذا كان السلوك مذموماً كَمَن يُكثِر الكذب، أو الخيانة، أو النميمة، أو البُخل، فيُعرَفُ الشخص بذلك، ويصير صفة لازمة له عند الناس، فإنهم يحكمون على الآخرين من خلال أنماط سلوكهم الأكثر وضوحاً، لذا، يصبح السلوك المتكرر بطاقة تعريفية للفرد في مجتمعه.
يشير علم النفس إلى أن التكرار يُرَسِّخ العادات في العقل الباطن، مِمّا يجعلها جزءاً من هوية الفرد وسلوكه التلقائي، والشخص الذي يُكرِّر سُلوكاً معيناً يبدأ بالتعرُّف على نفسه من خلاله، وتصبح هذه العادة جزءاً من شخصيته الأساسية.
إن المواظبة على سلوك جيد يساعد في بناء شخصية متزنة وموثوقة، فمن يداوم على العمل والاجتهاد يُعزِّز فرصه في تحقيق أهدافه، ومن يدوم منه التسويف والكسل يُعرف بأنه غير مسؤول، وهذا يَحُدُّ من فُرَصِه في الحياة، والمداومة على سلوك سلبي يؤدي إلى صُعوبة تعديل السلوك مع مرور الوقت، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “العَادَةُ عَدُوٌ مَتَمَلِّكٌ”.
إن القرآن الكريم والروايات الشريفة كلاهما يؤكّدان على ضرورة المُداومة على السلوكيات الإيجابية، والعادات النبيلة، والعبادات المنصوصة، مثل الصلاة، والذكر، وسوى ذلك، باعتبار إن المداومة عليها جميعاً تُشكِّل شخصية الإنسان وتصبَغه بصبغتها الخاصّة، من ذلك مثلاً قوله تعالى: “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴿99/ الحِجر﴾ إن هذه الاية تأمر بإدامة العبادة حتى ينتقل العابد من الدنيا إلى الآخرة “بالموت” ويُستَفاد منها أيضا أن المداومة على العبادة تبلغ بالمرء مقام اليقين بالله تعالى وهذا أرفع مقام يرغب المؤمن فيه.
ورُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ” والحديث يبين أن الاستمرارية والمداومة على العمل، ولو كان قليلًا، أهم من القيام بعمل كبير بشكل متقطع.
ورُوِي عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “قَلِيْلٌ تَدومُ عَلَيْهِ أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ” فالحديث يوضِح أهمية العمل المستمر والمتوازن، لأن المداومة تعكس الإخلاص والثبات.
في قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ” فوائد تربوية عديدة يمكن الإشارة إلى بعضها:
أولاً: ضرورة المسارعة إلى غرس القيم الإيجابية في الإنسان منذ طفولته الأولى، فالمداومة على تعليم الأطفال الأعمال الصالحة، مثل الصلاة، والدعاء، وبر الوالدين، والصدق، والأمانة، والاهتمام بالنظافة، والالتزام بالآداب والأخلاق الفاضلة تجعلها جزءاً من شخصيتهم.
ثانياً: تحذيرهم من العادات السيِّئة وتنبيههم من مخاطر تكرار السلوكيات الضارَّة وأثرها البعيد على سمعتهم ومستقبلهم.
ثالثاً: التركيز على العمل التدريجي، فإن تعليم الأفراد إنما يؤثر حال الاستمرارية في العمل، بدلًا من السَّعي لتحقيق إنجازات كبيرة في وقت قصير ثم الانقطاع.
رابعاً: المداومة على الأعمال الصالحة والتطلُّع بها إلى مرضاة الله تعالى وثوابه، وهذا ينعكس بلا شَكٍّ على نجاحنا في مختلف مجالات الحياة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي