إن الإسلام يركّز على التوازن والوسطية، في الشريعة، والسلوكيات، ويحرص شديد الحِرص على كرامة الإنسان ومكانته وجمال صورته الاجتماعية، كما يحرص بشدَّة على سلامة العلاقات الاجتماعية واستقرار المجتمع.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع)أنه قال: “مَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِه”.
هذه معادلة تربط بين الإفراط في المزاح المذموم الذي يتجاوز فيه الشخص الحدود المعقولة والمقبولة، وبين إستخفاف الناس بالشخص الذي يُكثر منه، وذهاب بهائه، والخدش في كرامته، والنُّقصان في قدره، وسقوط مكانته بينهم، وفيها تحذير لنا من المبالغة في المزاح حفاظاً على هيبتنا، وبهائنا، ومكانتنا الاجتماعية، وسلامة علاقاتنا مع الآخرين، وطمأنينتنا النفسية.
إن الإسلام يركز على التوازن والوسطية، في الشريعة، والسلوكيات، ويحرص شديد الحِرص على كرامة الإنسان ومكانته وجمال صورته الاجتماعية، كما يحرص بشدَّة على سلامة العلاقات الاجتماعية واستقرار المجتمع، ولذلك ينهى عن كل ما يسيء إلى الفرد أو المجتمع، وفي هذا السياق ينهى عن المزاح الذي يتجاوز فيه الشخص الحدود المعقولة المقبولة، درئاً لما ينتج عنه من أحقاد وضغائن، وما يتسبَّب به من مشاكل ونزاعات، وما يكون فيه أذِيَّة نفسية أو مادية للآخرين، وقد تحدَّث الإمام أمير المؤمنين (ع) عن الآثار السلبية الخطيرة لهذا اللون من المزاح فقال: “المِزاحُ يُورِثُ الضَّغائنَ”، وأنه “آفةُ الهَيبَةِ” وأنه “يَجُرُّ السَّخيمَةَ ويُورِثُ الضَّغينَةَ، وهُو السَّبُّ الأصغَرُ” وأنه يُجرِّءُ الآخرين على الشخص الذي يُكثِر من المزاح، وقال: “لكُلِّ شيءٍ بَذرٌ، وَبذرُ العَداوَةِ المِزاحُ”.
إن الإفراط في المزاح غالباً ما يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس بسبب تعليقات الآخرين، وتقليل احترامه، وذهاب هيبته، وقسوة قلبه، وانشغاله عمّا يجب أن يهتَمَّ به من أمور دُنياه وآخرته، وغالباً ما ينتج عنه سوء الفَهم، وسوء الفَهم تنتج عنه نزاعات ومشاكل كثيرة، فضلاً عن شعور الشخص بالإحراج إذا خرج عن حدود اللياقة، وعدم تصديق الناس له لأنهم لا يعرفون متى يكون ممازحاً لهم ومتى يكون جاداً، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَن جَعَلَ دَيْدَنَهُ الهَزلَ لَم يُعرَفْ جِدُّهُ”.
وعلى كل فكل مزاح فيه ترويع للآخرين، وأذِيَّة لهم، أو كان مشتملاً على الكذب، فهو حرام بلا نقاش.
أما المزاح المحدود المعتدل اللطيف الذي يُساعد على تقليل التوتُّر والضُّغوط النفسية، ويخلُق جَوّاً من الإلفة والمَحَبَّة بين الناس، ويساعدهم على تجاوز مُشكلاتهم الإجتماعية، ويُسَرِّي عن أنفسهم الهَمَّ والغَمَّ، فلا مشكلة فيه.
وقد عَدَّت الروايات الشريفة الدُّعابَة والمزاح اللطيف الممزوج بالحكمة من صفات المؤمن، لأنها تصنع البَهجَة في النفوس، وتُقرِّب القلوب وتزيد المحبة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “المؤمنُ دَعِبٌ لَعِبٌ، والمُنافقُ قَطِبٌ غَضِبٌ”. وجاء عن الإمام عَلِيٍ (ع) أنه قال: “المؤمن هَشٌ بَشٌ، يُسَرُ قَلبُهُ ولا يُفَرِّطُ في جَدِّهِ”.
وكان النبي (ص) يستخدم الدُّعابة اللطيفة لتأليف القلوب واستمالتها، فقد روى مُعمّر بنِ خلّادٍ فقال: “سَألتُ أبا الحَسنِ الرضا (ع) فقلتُ: جُعِلتُ فِداكَ؛ الرَّجُلُ يكونُ مَع القَومِ فيَجري بَينَهُم كلامٌ يَمزَحونَ ويَضحَكونَ! فقال: لابأسَ ما لَم يَكُن. فظَنَنتُ أنّهُ عنَى الفُحشَ. ثُمّ قالَ (ع): إنّ رسولَ اللَّهِ (ص) كانَ يأتيهِ الأعرابيُّ فيُهدي لَهُ الهَديّةَ، ثُمّ يقولُ مكانَهُ: أعْطِنا ثَمنَ هَديّتِنا، فيَضحَكُ رسولُ اللَّهِ (ص) وكانَ إذا اغتَمَّ يقولُ: ما فَعلَ الأعرابيُّ؟! لَيْتَهُ أتانا!”
ورُوِي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال لبعض أصحابه: “كيفَ مُداعَبَةُ بَعضِكُم بَعضاً؟ قلتُ: قليلٌ، قالَ: فلا تَفعلوا (أي فلا تفعلوا ما تفعلون من قلّة المداعبة)، فإنّ المُداعَبةَ مِن حُسنِ الخُلقِ، وإنّكَ لَتُدخِلُ بها السُّرورَ على أخيكَ، ولقد كانَ رسولُ اللَّهِ (ص) يُداعِبُ الرّجُلَ يُريدُ أن يَسُرَّهُ”.