إنَّ من أعظم أهداف أهل البيت (عليهم السلام) في الأُمّة هو البناء التربوي للفرد والمجتمع، وإيجاد الأُسرة الصالحة التي يمكن أنْ تكون مصدرَ عطاءٍ وخيرٍ لأبنائها، ولو أنّنا تأمَّلنا سيرتهم وفي جميع الأحوال لرأينا ذلك جليّاً، وعلى مستويات مختلفة متعددة.
ولمّا كانت المرأة ذات أهمية كبيرة، ولها دور في ذلك البناء.. رأينا مدى اعتناء تعاليم الشريعة الإسلامية بها، وهي في مراحلها المختلفة من حياتها، ونحاول أنْ نسلط الضوء على مراحل ثلاث من ذلك، ونقرأ دور الصِّدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) في بناء الشخصية الإنسانية:
1- (البنت):
لقد اعتنى الإسلام بالبنت ومقامها بين أبويها، ورغَّب في حُبِّهِنَّ وتكريمهنَّ والاهتمام بهنَّ، بخلاف ما كانت عليه البنت أيام الجاهلية العمياء، حيث قامت بعض تلك المجتمعات بأبشع الجرائم الإنسانية بحقِّ بناتها من القتل بدفنها وهي حية تصرخ وتستنجد بأبيها، وهو يدفنها بكُلِّ قسوة ووحشية، فاستجاب لصرختها خالقُها البَـرُّ الرّحيمُ، فأعلن مظلوميتها على الخلائق أجمعين متسائلاً: ﴿وَإذا المَوْؤودَةُ سُئِلَتْ، بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ (التكوير: 8-9).
فانتصرت البنتُ بنور الإسلام، ووُضِعَت في مقام عظيم، فقد روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله: «نِعْمَ الوُلْدُ البَنَاتُ المُخَدَّراتُ، مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ واحِدَةٌ جَعَلَها اللهُ لَهُ سِتْراً مِنَ النّارِ» (روضة الواعظين: ٣٨٥).
وهكذا أثمرت هذه التربية الصالحة للبنت، فكانت الزهراء (عليها السلام) أعظم مثالٍ لكُلِّ بنت، فعاشت بين أحضان أبيها وأُمِّها فتعلمت منهما: الأخلاق الصالحة، والبر والمودة والاحترام، والكلمة الطيبة، والطاعة للوالدين، والعبادة لله تعالى.. فلم تعترض عليهما يوماً، ولم يُجْبِراها على خُلُقٍ وطاعَةٍ ساعةً، (فغدت الزهراء فاطمة (عليها السلام) نِعْم البنت الصالحة)، التي يُضرب بها المثل بين الأبناء.. فعلينا أنْ نبني شخصية بناتنا أُسوة بتلك البنت الصالحة.
2- (الزوجة):
إنَّ الزوجة من أهم رُكْنَي الأُسرة القائمة عليها وعلى الزوج، بعدما كانت الزوجة قبل نور الإسلام تُعَامَل معاملة سيئة، وقد عظّم الإسلامُ الزواجَ وشأنيته، بل جعله من آياته العظيمة، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21)، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: «مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ» (الكافي: 5/327).
فالزواج الناجح هو القائم على معرفة عظمته ومقامه، والزوجة هي التي تعرف معنى الزواج والزوجية والزوج وحقوق هذه الرابطة الإلهية العظيمة، فتعينه على حاجاته الجسدية والروحية، وتصبر معه على بلاء الدنيا وأذاها، وتشجِّعه على الحقِّ والخير والبر والعمل الصالح.
وكانت الزهراءُ (عليها السلام) ترى زوجَها (عليه السلام) سيدَ رجالِ الدنيا وحافظَ كيانِها ومأواها ومنتهاها، ورفيقَها في بناء سعادتها البشرية، (فغدت فاطمةُ (عليها السلام) نِعْمَ الزوجة الصالحة)، التي يُضرب بها المثل في الزوجات الصالحات.. فعلينا أنْ نبني شخصية الزوجة الصالحة أُسوة بتلك الزوجة الصالحة.
3- (الأُم):
إنَّ البنت بعد أنْ تقطع شطرَ حياتِها بين أبويها، تتربى في أحضانهما، ثمّ تعيش مع زوجٍ صالحٍ فيقومان بتأسيس بيتٍ زوجيٍّ.. يكون المنطلق للمجتمع عبر تربية الأبناء تربية صالحة..
فالأُمُّ عليها مسؤولية عظيمة تجاه أبنائها، فتغذيهم من أخلاقها، وتعرفهم معنى الأبناء وأثرهم وخطرهم ومستقبلهم، وتغَذيهم من روحها لا من لَبَنِها فقط، وتعمل فتعلمهم الأخلاق لا تلقين الألفاظ فقط، وهي مرآة صالحة للتربية والمُربية والأُم المجاهدة ليلاً ونهاراً؛ يراها أولادها صورةً مشرقةً في كُلِّ زوايا البيت، بل في كُلِّ خبايا الروح..
فلا تفارقهم صورة الكلمة الطيبة ولحن صوتها، ولا تفارقهم صورة العابدة بين يدي ربِّها وأنين دعائها، ولا تفارقهم كلماتها: ولدي.. ابنتي.. أولادي.. أُريدكم أنْ تكونوا مثل أبيكم في الأخلاق والتربية والعلم والعمل والعبادة ومساعدة الآخرين وبر الوالدين وحسن الجوار وصلة الرحم..
فتزرع في نفوسهم بذرةَ حُبّ هذه المُثُل؛ لتبقى هذه الكلمات والأفعال نوراً يضيء لهم الدرب في ظلمات هذه الحياة، لتبقى الأمُّ مثالَ التربية في البيت الذي سيبني الأسرة فالمجتمع.
(فغدت الزهراء فاطمة (عليها السلام) نِعْمَ الأُمّ الصالحة المربية) التي يُضرب بها المثل بين الأُمّهات.. فعلينا أنْ نبني شخصية الأُمِّ المربية أُسوةً بتلك الأُمِّ المربية الصالحة.
هي بنتُ مَنْ؟! هي زوجُ مَنْ؟! هي أُمُّ مَنْ؟!
سلامٌ عليكِ يا سيدتي ومولاتي أيّتُها الصِّدِّيقة الطاهرة ورحمة الله وبركاته..
وسلامٌ على كُلِّ أُمٍّ وزوجةٍ وبنتٍ صالحةٍ تحملُ في قلبِها حُبَّ الدينِ والأخلاقِ فتغرسه في الآخرين.