مَنْ أَنْعَمَ عَلى الْكَفُورِ طالَ غَيْظُهُ

مَنْ أَنْعَمَ عَلى الْكَفُورِ طالَ غَيْظُهُ

لا شَكَّ في أن الإنعام على الكَفور الجَحود يسبِّب الغيظ لدى المُنعِم، ويُشعِره بالضيق والغضب لفترة طويلة، هذا إذا اكتفى الطرف الآخر بالجُحود، أما إذا قابل النِّعمة بالإساءة فالغيظ سيكون أضعافاً مضاعفة، ويبلغ الغيظ ذروته إذا كان المُنعِم منتظراً الشكر والثناء مِمّن أنعم عليه، أو كان ينتظر منه مقابلاً مادياً أو معنوياً.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَنْعَمَ عَلى الْكَفُورِ طالَ غَيْظُهُ”.
درس عميق، وحكمة جليلة، يقدمهما لنا الإمام أمير المؤمنين (ع) يوجهنا فيهما إلى الدقة في الإنعام على الآخرين، والذي يجب أن يقوم على التمييز بين المستحق الجدير بالنعمة الذي يعرف قيمتها ويقدرها ويشكرها، سواء كانت النِّعمة مالاً، أو عِلماً، أو منصباً، أو خدمة، أو نصيحة، وبين الذي لا يستحقها لعدم معرفته بقيمتها، وعدم تقديره لها، وجحودها وكُفرانها.

فمن الناس من هو مستحق للنعمة وأهل لها، وهو العارف بقيمتها، والعارف بفضل المُنعِم عليه، والشاكر له، فهذا هو المستحق للإنعام والتفَضُّل عليه.

ومنهم من ليس أهلاً لها، لا يعرف قدرها، ولا يشكر المُنعِم عليه بها، ولا يرى له فضلاً في ذلك، بل يقابلها بالجحود والنُّكران، وقد يستقِلُّها يحسب أنه لم ينل حقَّه منها فيريد المزيد، وقد يراها واجباً على المُنْعِم يؤدّيه إليه، وقد يقابلها بالإساءة رغم أن الإحسان يُجازى بالإحسان إن لم يُجازى بأعلى مراتبه، فهذا هو الكَفور الجاحد الذي لا يعترف بالجميل، ولا يُقدِّر الإحسان الذي يُقَدَّم إليه.
لا شَكَّ في أن الإنعام على الكَفور الجَحود يسبِّب الغيظ لدى المُنعِم، ويُشعِره بالضيق والغضب لفترة طويلة، هذا إذا اكتفى الطرف الآخر بالجُحود، أما إذا قابل النِّعمة بالإساءة فالغيظ سيكون أضعافاً مضاعفة، ويبلغ الغيظ ذروته إذا كان المُنعِم منتظراً الشكر والثناء مِمّن أنعم عليه، أو كان ينتظر منه مقابلاً مادياً أو معنوياً.

تلافياً لذلك ينبغي على المُنعِم والمُحسِن أن ينظر إلى إحسانه وإنعامه بما هو أمر حَسنٌ، يفعله لحُسنِه، ويغضُّ نظره عمّا يقابله به الطرف الآخر، فيفعل ذلك خالصاً لوجه الله تعالى وهو وَلِيُّ الإحسان، منتظراً الجميل والشكر والثناء منه وحده، والله شاكر عليم، وقد قال تعالى: “…وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿البقرة/ 158﴾. وقال تعالى: “…وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿البقرة/ 215﴾. وقال تعالى: “…وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿البقرة/ 272﴾. 
الفوائد التي نستفيدها من هذه الجوهرة الكريمة عديدة، أهمها:

أولاً: أن نُنعِمَ على مَن يستحق، مِمَّن يُقدِّر المَعروف ولا يكفره، فإنه الأولى بذلك.
ثانياً: أن يكون إنعامنا التزاماً بقِيَمنا، فإن الإحسان قيمة بذاته، بعيداً عمَّا يقابله الطرف الآخر.
ثالثاً: أن نفهم طبيعة البشر، فليسوا جميعاً على درجة واحدة من الوعي، والفهم، والذوق، والأخلاق، فبعضهم يشكر القليل يُعطى إليه، وبعضهم الآخر يجحد الكَثير.
رابعاً: أن نتحلَّى بالصبر في مواجهة الكَفورين الجاحدين، ونحذر الوقوع في الغضب، والشعور بالخِذلان.
خامساً: ألا يمنعنا جُحود الكَفور من مواصلة الإحسان، إلى الناس لأن إحساننا ينطلق من التزامنا بقِيَمنا، وبه نُعامل الله، ومنه ننتظر الشكر، والثناء، والثواب.
سادساً: أن نُشَجِّع الآخرين على الإحسان إلى الناس والإنعام على المستحق منهم.

بقلم  الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل