القِيَم الأخلاقية تقود الإنسان نحو السُّمُوِّ والترقي

القِيَم الأخلاقية تقود الإنسان نحو السُّمُوِّ والترقي

 إن القِيَم الأخلاقية والروحية ليست مفاهيم نظرية وحسب، بل هي أسس عملية تقود الإنسان نحو السُّمُوِّ والترقي الأخلاقي، والتكامل المعنوي، والتطلُّع نحو غايات سامية، يريد الله له أن يبلغها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ عَرَفَ شَرَفَ مَعْناهُ، صانَهُ مِنْ دَناءَةِ شَهْوَتِه وَزُورِ مُناهُ”.
معادلة تربط بين إدراك الإنسان مكانته ومرتبته السامية عند الله، وحرصه على كرامته التي أفاضها عليه، وبين صيانة نفسه من الإنقياد لشهواته وغرائزه، والتَّعلُّق بالأماني الباطلة والأوهام التي لا تستند إلى حقائق أو جهود واقعية، مثل التَّطلُّع إلى النجاح بدون عمل، أو طلب الغِنى دون سَعي، وتُسلِّط الضوء على العلاقة بين إدراك الإنسان لقيمته ومكانته وبين سلوكه وأفعاله.
في هذا المجال يمكننا أن نصنف الناس إلى صنفين:

الصنف الأول: هم الذين يعرفون شرف معناهم، أي: يعرفون أن الله تعالى قد كَرَّم الإنسان، وفضَّله على كثير مِمَّن خلق، بما وهبه من عقل يفهم به الأمور، ويكتشف به الحقائق، ويُمَيِّز به بين الحق والباطل، وبين الخير والشَّرِّ، وبين الأمور الحَسَنَة والأمور القبيحة، وفِطرة صافية تنحو به نحو الكمال، واختاره خليفة عنه في الأرض، وسَخَّر له الشمس والقمر، وجميع ما في الأرض، وآتاه من كل ما سأله ويسأله.
هذا الصنف فيه غرائز وشهوات، وهو يُلبِّي غرائزه وشهواته، ولا يقمعها، وليس مطلوباً منه أن يقمعها، فما خلقها الله فيه إلا لضرورتها له، وقد حثَّه على تلبية حاجاتها لكنه يصون نفسه من دناءتها، فلا يكون منه فعل أو موقف أو حال خَسيس دَنيء، ولا ينغمس في الشهوات الجسدية والغرائز الدنيوية بطريقة تتعارض مع القيم الأخلاقية والإنسانية والشرعية، وتسيء إلى كرامته، وتحطُّ من منزلته، وتُضعف روحانيته ومعنوياته وإرادته، وتحول بينه وبين تكامله، وتُبعِدُه عن الله سبحانه وتعالى، فالشهوات ليست مذمومة في ذاتها، ولكن الانقياد لها دون ضوابط عقلية وأخلاقية يؤدي إلى الانحطاط والتسافل والتَّردّي الأخلاقي والمعنوي.
الصِّنف الثاني: هم الذين لا يعرفون قَدْرَهم ومكانتهم ومنزلتهم السامية بين خلق الله، أو يعرفون ولكنهم ينقادون لشهواتهم وغرائزهم، وتستعبدهم أهواؤهم، فيعيشون لها وينغمسون فيها، لا همَّ لهم إلا أن يلبُّوها من أي طريق، ولو كان من طريق دنيء خسيس، حرام غير أخلاقي.
إن معرفة أو عدم معرفة الإنسان لمكانته (شرف معناه) له تأثير بالغ على سلوكياته الإيجابية أو السلبية، فعندما يُدرك الإنسان قيمته الحقيقية ومكانته، فإنه يسعى إلى الحفاظ على هذه القيمة، ويتجنَّب ما يُنقِصُ منها، ومعرفة شرف المعنى تعطي الإنسان رؤية واضحة لحياته، مِمّا يجعله واعياً بأثر الشَّهوات الدنيئة والأماني الزائفة على قيمته، وتدفعه هذه المعرفة إلى الالتزام بالسلوكيات التي تُعزِّز شرفه الإنساني، وترفع من كرامته الإنسانية، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ”.
إن القِيَم الأخلاقية والروحية ليست مفاهيم نظرية وحسب، بل هي أسس عملية تقود الإنسان نحو السُّمُوِّ والترقي الأخلاقي، والتكامل المعنوي، والتطلُّع نحو غايات سامية، يريد الله له أن يبلغها.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل