رضا الله هو الغاية الكبرى لكل عمل صالح

رضا الله هو الغاية الكبرى لكل عمل صالح

 إن المؤمن لا يرغب بشيء كما يرغب برضا الله عنه وقبول أعماله، ورضا الله هو الغاية الكبرى لكل عمل صالح يقوم به، فالطاعات والمعاملات الحَسَنة يؤديها خالصة لوجه الله، ولا ينتظر شيئاً من سواه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ طَلَبَ رِضا النّاسِ بِسَخَطِ اللّهِ رَدَّ اللّهُ حامِدَهُ مِنَ النّاسِ ذامّاً”.
تُسلِّط هذه الجوهرة الكريمة الضوء على علاقة الإنسان بربه وبالناس من حوله، وتطرح قاعدة عَقَدية وأخلاقية توضح خطر تقديم رضا الناس على رضا الله، وتبيّن عاقبة هذا السلوك في الدنيا والآخرة.
إن المؤمن بالله خالقاً ورباً ومُدبراً ورازقاً ومُنعِماً وإليه المَعاد، يطلب كل حياته وفي جميع أحواله وأعماله رضا الله تعالى، ويرى في ذلك الفوز الأعظم، والفلاح الحقيقي، والنعمة الكبرى، التي تتخطَّى كل النِّعَم المادية في الدنيا وفي جنَّة الآخرة، وقد ذكر الله ذلك في كتابه الكريم إذْ قال: “وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿التوبة/ 72﴾ فنلاحظ أن الوعد الإلهي للذين آمنوا ذكر نعمة رضوانه عليهم بعد نعمة الجنة ونعيمها المادي، مِمّا يدل على أن الفوز برضوانه تعالى يحقق لهم أقصى ما يرغبون به.
وقال تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا…﴿الفتح/29﴾ فمحمد (ص) والذين معه والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين يبتغون بكل أعمالهم وعباداتهم فضلَ الله ورضوانه، مِمَّا يدل على أن الجَنَّة وما فيها من نعيم تمثل بالنسبة إليهم درجة أدنى ورضوانه تعالى يمثل الدرجة الأعلى والرغبة القُصوى.

فالمؤمن لا يرغب بشيء كما يرغب برضا الله عنه وقبول أعماله، ورضا الله هو الغاية الكبرى لكل عمل صالح يقوم به، فالطاعات والمعاملات الحَسَنة يؤديها خالصة لوجه الله، ولا ينتظر شيئاً من سواه، قال تعالى: “إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿الإنسان/9﴾. وفوزه برضا الله يمنحه طمأنينة وسكينة قلبية، وأماناً فكرياً إلى أنه يسير وفق ما يريده الله منه، فضلاً عن ضَمانه السعادة الأبدية في دار الآخرة، وبالتالي لا يهتَّم أبداً برضا الناس إذا كان الله راضياً عنه، وإذا اجتمع رضا الله مع رضا الناس عنه فَنِعِمّا هِيَ، وإذا تعارض رضا الناس مع رضا الله فرضاه تعالى هو المطلوب ولو غضب كل الناس، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يُقَدِّم رضاهم على رضاه، فإن من يطلب رضا الناس على حساب طاعة الله ورضاه يضع المخلوق فوق الخالق، والعبد الفقير العاجز الذي لا يملك لنفسه حَولاً ولا قوة، فوق المعبود الغني القادر الذي يملك كل شيء، والقادر على كل شيء، وهذا يتناقض مع جوهر التوحيد، الذي يقوم على إفراد الله بالعبادة والطاعة.

فضلاً عمّا سبق فإن العلاقة مع الناس ليست مستقرة ولا ثابتة، وليس من شأنها الدوام والاستمرار، فالناس بطبيعتهم مختلفون في آرائهم وأهوائهم ورغباتهم، وكل شخص منهم له توقعاته واحتياجاته، وإرضاؤهم جميعاً أمر مستحيل، فما يُرضي أحدهم قد يُغضِبُ الآخر، والشخص الذي قد يمدحك اليوم، قد ينتقدك غداً.

لذا، الاعتماد على رضا الناس غير مستقر، فالشخص الذي يسعى دائماً لإرضاء الآخرين سيجد نفسه في حالة دائمة من القَلَق والتوتُّر، وذلك يستنزفه نفسياً ومعنوياً، ويستنزف طاقاته، ويُصبح رهينة لآراء الآخرين، ما يسبب له الإحباط، والخوف الدائم من النقد أو الرفض، وفي الوقت نفسه يخسر رضا الله، كما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع)، والنتيجة أن يتحول مدح الناس إلى ذَمٍ، لأنه لم يكن قائماً على أسس حقيقية.

أما حين يُقدِّم رضا الله على رضا الناس، فإنه يعيش مرتاح الضمير، وتكون أعماله وأحواله منسجمة مع عقيدته، والله سبحانه يتكفَّل بمحبَّة الآخرين له، لأنه وحده المُهيمن على القلوب، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ﴿مريم/96﴾.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل