مَنْ ساءَتْ سيرَتُهُ سَرَّتْ مَنِيَّتُهُ

مَنْ ساءَتْ سيرَتُهُ سَرَّتْ مَنِيَّتُهُ

من كانت أخلاقه عظيمة وسيرته حسنة، وعاش بين الناس محباً لهم، راجياً الخير لهم، ومسانداً إياهم، ومعاملاً إياهم بالمعروف، تمنوا بقاءه ودعوا له بطول العمر.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ ساءَتْ سيرَتُهُ سَرَّتْ مَنِيَّتُهُ”.
حتمية تربط بين سوء سيرة الشخص والسرور بموته، تعكس بذلك قانوناً حتمياً في تأثير سلوك الشخص على علاقته بالآخرين واعتباره عبئاً عليهم، كما تعكس عدالة الجزاء الإلهي في الدنيا قبل الآخرة
حيث يجني الإنسان ثمار عمله هناك، خيراً كان أو شراً.

من عظُمت أخلاقه، وحسُنَت سيرته، وعاش في الناس يحبهم، ويرجو الخير لهم، ويساندهم، ويعاملهم بالمعروف تمنَّوا بقاءه ودعوا لهم بطول العمر، ومن سَفلت أخلاقه
وساءت سيرته، وعاش في الناس عقرباً يلدغهم كلما أمكنته الفرصة
ويكذب عليهم، ويخونهم، ويظلمهم، ويعتدي على كراماتهم، وأموالهم وأعراضهم، تمَنّوا أن يقصر عمره، وأن يُخلِّصهم الله من شره، وكان موته مدعاة لفرحهم وسرورهم.
وإذا فنحن أمام حتمية اجتماعية وسُنَّة ربانية مفادها أن الإنسان السّيء يكره الناس بقاءه
ويشعرون بالارتياح العميق لموته، يشعرون أن جبالاً قد أزيلت عن كواهلهم
وعلى العكس منه الإنسان الصالح الذي يُحزِن فقدُه القلوب، بل يخلعها من مكانها من شدة الحزن عليه.
ولا شكَّ أن هذا نحو من أنحاء الجزاء الإلهي المترتب على العمل
، فإن الجزاء لا يقتصر على نار الآخر، بل يبدأ في الحقيقة من الدنيا، فما من عمل إلا وله جزاءان
جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة، فأما جزاء العمل السيء في الدنيا فضيق، وضنك، وقلق، وبغض من الناس، وتمنٍّيهم موته، وأما جزاؤه في الآخرة، فعذاب مقيم، وجهنم يصلاها وبئس المصير.

وأما جزاء العمل الصالح في الدنيا فحياة طيبة، وسمعة حسنة، ومحبة في القلوب

وأما جزاؤه في الآخرة فَرَوحٌ ورَيحانٌ وجَنَّة نعيم، ورضوان من الله أكبر.
لقد وردت الإشارة إلى هذه الحتمية في القرآن الكريم بقوله تعالى:
“فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”﴿الأنعام: 45﴾ فقد جاءت هذه الآية الشريفة تعقيباً على استئصال الظالمين بعد الاستدراج الإلهي لهم، فذكرت كيف أن الله قطع دابرهم، لم يبقَ منهم أحد
فقد هلك آخرهم كما هلك أولهم، وهلاك الظالمين والطغاة نعمة، بل نعمة عظيمة، وانتظار المظلومين هلاك الظالمين لا يشبهه انتظار، وتمنيهم خُلُوّ الأرض منهم لا تشبهه أمنية، ولذلك يحمَدون الله على موتهم وفنائهم والخلاص منهم، والمستضعفون اليوم وهم كثير على امتداد الأرض كلهم يرجون الخلاص، وكلهم ينتظرون زوال الظلم وخلو الأرض من الطغاة الجبابرة المستكبرين، إن هلاك الظالمين هو موضع فرح للمؤمنين، وهو ما يتوافق مع مضمون الجوهرة العلوية الكريمة.
ولا أغالي إن قلت: إن الأرض وما ومن فيها تعاني من ظلم الظالمين وطغيانهم
وما يحدث فيها من أزمات وحروب وصراعات وويلات ومصائب، الظلم وحده هو المسؤول عنه، والظلم هنا لا يطال البشر وحسب، بل يطال كل الكائنات الحيَّة التي تعيش على ظهر الأرض أو في باطنها
فلا جدال بين عاقِلَين في أن ما يصيب الأرض من تغير في المناخ
سببه ظلم الإنسان ومخالفته قوانين التكوين، وما تحدث من حروب مفتعلة سببه الظالمون
وما يوجد من فقر في أنحاء المعمورة سببه الظالمون الذين يقبضون على ثروات العالم نَهباً واحتكاراً.

وعليه: فلا عجب أن يقول رسول الله (ص): “النّاسُ اثْنانِ: واحِدٌ أراحَ، وآخَرُ استَراحَ؛ فأمّا الّذي اسْتَراحَ فالمُؤمِنُ إذا ماتَ اسْتَراحَ مِنَ الدُّنيا وبَلائها، وأمّا الّذي أراحَ فالكافِرُ إذا ماتَ أراحَ الشَّجَرَ والدَّوابَّ وكثيراً مِن النّاسِ” وقال الإمام عَلِيٌّ (ع): “مَوتُ الأبرارِ راحَةٌ لأنفُسِهِم، ومَوتُ الفُجّارِ راحَةٌ للعالَمِ”.
ما تقدَّم قارئي الكريم يدعونا بلا تردُّدٍ إلى الحرص على أخلاقنا، وسيرتنا الحَسَنَة، وترك أثر جميل في قلوب الناس، من خلال التعامل الصادق معهم، وإرادة الخير والنفع لهم، وألا نترك وراءنا ذكريات سيِّئة تنعكس في فرح الناس بموتنا، وأن نكون المصداق الأمثل لقول الإمام أمير المؤمنين (ع): “…عَاشِرُوا النَّاسَ عِشْرَةً إِنْ غِبْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ، وَإِنْ فُقِدْتُمْ بَكَوْا عَلَيْكُمْ”.

نسأل الله أن يجعلنا من الذين يُبكى عليهم عند وفاتهم، لا من الذين يُفرح لموتهم، إنه سميع مجيب.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل