لقد تحدَّث الله تعالى في كتابه الكريم عن أثر الكلمة الطيبة في النفوس، فمثَّل لها بالشجرة الطيبة الضاربة جذورها في الأرض، ما يدل على قوتها وثباتها وصمودها أمام العواصف العاتية، والباسقة فروعها في السماء، ما يدل على نُمُوِّها وسُمُوِّها وكثرة ثمارها.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لانَتْ كَلِمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ”.
حتمية تقوم على الربط بين لين الكلام واجتذاب الآخرين وجلب محبتهم، ولين الكلام يعني التحدُّث بلطف ورفق، بعيداً عن الغِلظة والفَظاظة، وهو تعبير عن حسن الخلق، وقوة أخلاقية تعكس سُمُوَّ النفس ونُبلها ورقيها، فمن يكن كذلك في كلامه مع الآخرين وجبت محبته واستحق المودة والتقدير.
ولا جدال في أن الإنسان الذي يتحدث مع الآخرين بلين ولُطف وحُنُوٍّ وصدق يجتذب قلوب الناس إليه ويستميل أفئدتهم، لأن الكلام اللطيف يلامس المشاعر الإيجابية، ويبني جسور الثقة والمودة، واللين في الكلام يعكس احترامه لهم، مما يدفعهم إلى احترامه ومحبته.
لقد تحدَّث الله تعالى في كتابه الكريم عن أثر الكلمة الطيبة في النفوس، فمثَّل لها بالشجرة الطيبة الضاربة جذورها في الأرض، ما يدل على قوتها وثباتها وصمودها أمام العواصف العاتية، والباسقة فروعها في السماء، ما يدل على نُمُوِّها وسُمُوِّها وكثرة ثمارها، كذلك الكلمة الطيبة الصادقة النافعة، ترسَخ عميقاً في القلوب، وتؤثِّر في النفوس، وتزرع بذور المحبة، وتسمو بقائلها وسامعها، وتثير البَهجة والسُّرور في كليهما، قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” ﴿إبراهيم: 25﴾.
ولذلك أمر الله تعالى بالقول الحَسَن للناس، لقوةَّ تأثيره وارتياح الإنسان لسماعه، ولا يكون حَسَناً إلا إذا كان طيِّباً، لَيِّناً، عَذباً، لطيفاً، تستطيبه العقول، وتستلذُّ به النفوس، قال تعالى: “…وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا…”﴿البقرة: 83﴾ وما أسهله من أمر على الذي يريد أن يجلب محبة الناس إليه وموافقتهم له، ولذلك نرى الشركات الكبرى والصغرى تختار للتسويق لمنتجاتها الشخص الذي يُجيد الكلام، ويعرف فنونه، ويتحدّث بلباقة مع الزبائن، ويُقنعهم بالمُنتج، وكثيراً ما يحدث معنا أن نشتري أشياء يقنعنا بها التاجر الحاذق العذب اللسان، وغالباً ما نخجل أن نرفض عرضه، أو نخرج من عنده دون شراء، لعذوبة كلامه، وإتقان عرضه، وسلاسة تعامله، ما يجعلنا زبائن دائمين له.
نعم هذه هي الكلمة الطيِّبة اللَّيِّنة العذبة، وهذا أُكُلها، إنها لتُسعِد وتسُرُّ، وتُسَرِّي عن السامع همّه وغمَّه، فلا عَجَبَ والحال هذه أن تكون بمثابة الصدقة في الحاجة إليها والأجر عليها، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ” فكما أن الصدق تُفرح الفقير العاني، وتنفرج أساريره لها لحاجته الماسَّة إليها، كذلك الإنسان يسمع الكلمة الطيِّبة فتسُرُّه وتُفرحه، وتشحن قلبه بطاقة معنوية هائلة، تُشعِره بالكرامة، وتملأ نفسه بالرضا.
ما تقدم يوجِب علينا أن نختار أحسَن الكلام وأَليَنَه وألطَفَه حين نخاطب الناس ونكلمهم، وأَلّا يغيب عن بالنا أن الكلام اللطيف له أجر عظيم عند الله، وتأثير قوي في النفوس التي تتلقّاه، مِمّا يحفِّزنا على انتقائه كما ننتقي الحَبَّ الجيِّد من الرديء، كما يوجِب علينا أن نتدرَب على اختيار الكلام المناسب لكل مقام نكون فيه، فرُبَ كلمة تصلح أن تُقال في مقام لا تصلح أن تُقالَ في غيره.
“مَنْ لانَتْ كَلِمَتُهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ” حتمية تقدِّم لنا درساً أخلاقياً راقياً في أهمية اللين في الكلام وجلب المحبة، فالكلام اللطيف ليس مجرد سلوك اجتماعي، بل هو عبادة وقربى إلى الله تعالى، وبالتطبيق العملي لهذه الحتمية، نستطيع بناء علاقات سوية مع الآخرين، وبناء مجتمع تسوده المحبة والتفاهم.