القرآن يحُثُّ بشدَّة على غَضِّ البصر

القرآن يحُثُّ بشدَّة على غَضِّ البصر

يدعو القرآن الكريم بشدة إلى غض البصر، حيث يُعتبر ذلك وسيلة فعالة لتهذيب النفس وكبح الغرائز والشهوات. كما ينبه من مخاطر ترك النظر بلا حدود، لما يترتب على ذلك من عواقب سلبية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ كَثُرَ أَسَفُهُ”.
قاعدة سلوكية وأخلاقية عظيمة، يقدمها لنا الإمام أمير المؤمنين (ع)
ترسم الطريق نحو حياة متزنة قوامها الأخلاق العالية والعقلانية، وتكشف عن تأثير إطلاق النظر بلا ضابط على النفس، وما يترتب عليه من ندم وحسرة.
إن أطلاق المَرء طَرفه، يعني أن ينظر في كل شيء يراه، ويحدِّق فيه، دون قيود وتحفظات
وذلك يتسبب له بألم نفسي، وحسرة وندامة، فالنفس جموح، والغرائز طموح، كلما نظرت إلى شيء تعلقت به ورغبت فيه، وقد يكون غير مقدور الحصول عليه فيرتد ما تراه عليها حسرة
وقد يوقعه ذلك في الحرام فيؤدي به إلى الندم والخُسران.
لقد صاغ الإمام (ع) هذه الحقيقة بأسلوب شرطي يربط بين إطلاق النظر وزيادة الندم
مما يؤكد العلاقة السببية بين الفعل ونتيجته، واستخدم كلمة “أَسَفُهُ” لتسليط الضوء على الندم العميق الذي ينتج عن إطلاق النظر، الأمر الذي يؤشر على خطورة العواقب.
علماء الأخلاق يرون أن النظر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشهوات والرغبات، وكذلك القرآن الكريم
، نراه يحُثُّ بشدَّة على غَضِّ البصر باعتباره مدخلاً إلى تهذيب النفس وكبح جماح الغرائز والشهوات
ويحذِّر من ترك العنان للنظر بلا حدود، كي لا يؤدي إلى اضطراب النفس وافتتانها بالمظاهر
ويوقِع المرء في الحرام، ويتردى به في المهالك، ويجلب إليه الحسرة على ما رآه في يد الغير وليس في يده شيء منه.

أما في المورد الأول: وهو الوقوع في الحرام الذي يتسبب به النظر، باعتباره رائدَ القلب
فقد قال تعالى: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿30﴾ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…”﴿النور: 31﴾.
وأما في المورد الثاني: وهو اشتهاء ما في يد الغير من مال، وبناء، ومتاع
فقد قال تعالى: “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ” ﴿طه: 131﴾.

في هاتين الآيتين مباحث وفوائد كثيرة، لا يمكنني الخوض فيها مراعاة للإيجاز
يقتضيه النشر في وسائل التواصل، لذلك اكتفي بذكرهما كشاهدين على ما سبق ذكره.
لقد أثبتت الأبحاث النفسية والاجتماعية الرصينة أن إطلاق النظر بلا ضوابط
يؤثر سلبياً على النفس من نواحٍ عديدة، فمن ناحية يؤدي إلى التشتُّت الذهني، وفقدان التركيز
والانشغال بالمحسوسات الخارجية بدلا من الاهتمام بالأولويات
ولعل أصدق مثال على ذلك، انشغال السائقين الذين يقودون سياراتهم بالنظر إلى الهاتف
وما يتسبب به ذلك من حوادث خطيرة، ومنه اهتمام المرء بالنظر إلى ما يملكه الآخر
من مال ومتاع وغفلته عمّا يملك هو من قابليات، وفُرَصٍ، ونِعَم، إن هذه المقارنة الجائرة بحق نفسه تولِّد الشعور لديه بالنقص، وتُفقده الثقة بنفسه.
أما إطلاق النظر إلى ما حرَّم الله النظر إليه فلا جدال في أنه يثير غرائز الإنسان،
ويدعوه إلى التفكير فيها، وقد يؤدي به إلى الوقوع في الحرام فعلاً
وإن لم يؤدِ به إلى ذلك فعلى الأقل يدعوه إلى المقارنة بين ما يرى وبين ما في يديه
ومن يطيل النظر إلى الفاتنات المتبرّجات لا بد وأن يفتتن بجمالهن
وهذا قد يقوده إلى الحرام، ويقوده قطعاً إلى الحسرة إذا ما عجز عن النيل منهن.

ناهيك عن أن إطلاق العنان للنظر إلى الحرام، ونساء الآخرين يؤدي قطعاً وجزماً إلى الفساد الأخلاقي
وشيوع الزنا، وزيادة النزاعات الأسرية، والتسبب بنزاعات اجتماعية خطيرة، بعضها يؤدي إلى القتل انتقاماً للشرف والعِرض.
من هنا جاء التأكيد في في القرآن وأحاديث النبي الأكرم والأئمة (ع)
على ضرورة غضِّ البصر، وأن يكون المرء واعياً لعواقب إطلاق النظر
وينبغي على المؤمن خاصة في هذه اليام أن يتجنَب متابعة المحتويات غير اللائقة في الإنترنت ومواقع التواصل والأفلام والمسلسلات، وأن يُشغل نفسه ببدائل نافعة له في دنياه وفي آخرته.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل