ضرورة المسارعة في الطاعات للوصول الى الفوز في الدنيا والآخرة

ضرورة المسارعة في الطاعات للوصول الى الفوز في الدنيا والآخرة

إن الجهد المبذول لا بدّ وأن يؤتي ثماره، فمن يعمل بجدّ وبدون تهاون ينال النتائج المرجوة، وهذا يتماشى مع السُّنَن الكونية الربّانية التي تجعل النجاح نتيجة طبيعية للعمل المتواصل.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَسْرَعَ الْمَسيرَ أَدْرَكَ الْمَقيلَ”.
هذه حتمية تعبّر عن مبدأ السببية في تحقيق الأهداف، إذ تشير إلى أن من يسعى بجدّ واجتهاد يصل إلى مبتغاه بسرعة وأمان.

تشتمل هذه الحتمية على علاقة سببية واضحة:

“مَنْ أَسْرَعَ الْمَسيرَ”: تعني أن من جَدَّ في سَعيه ولم يتقاعس في عمله، فإنه يزيد من فرص نجاحه ويقترب من تحقيق أهدافه بسرعة، السرعة هنا ليست مجرد استعجال، بل هي الاجتهاد والمثابرة، والدأب في العمل، وإتقانه، والصبر على متطلباته، والثبات أمام صعوباته.

“أَدْرَكَ الْمَقيلَ”: المقصود بالمقيل هو موضع الراحة، أي أن الإنسان الذي يسعى بجدّ يصل إلى راحته واستقراره قبل غيره، مما يعكس مبدأ المكافأة على العمل.

هذه القاعدة تنطبق على جميع مجالات الحياة، سواء في الأمور الدنيوية كالسعي وراء الرزق، أو في الأمور الأخروية كطلب الآخرة من خلال العمل الصالح.

وهنا فوائد يمكننا أن نستنبطها من هذه الحتمية:

أولاً: تؤكد هذه الحتمية على أن الجهد المبذول لا بد وأن يؤتي ثماره، فمن يعمل بجدّ وبدون تهاون ينال النتائج المرجوة، وهذا يتماشى مع السُّنَن الكونية الربّانية التي تجعل النجاح نتيجة طبيعية للعمل المتواصل، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ” ﴿الانشقاق: 6﴾ وقال تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴿41﴾ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ” ﴿النَّجم: 42﴾.
ثانياً: التخطيط لحياتنا وتنظيمها، وتمييز الأولويات عن سواها، وتقديم الأههم على المهم حين إردة العمل، فالشخص الذي يضع خطة واضحة لمسيره يستطيع بلوغ أهدافه دون تأخير غير ضروري.
ثالثاً: توضح هذه الحتمية أن الراحة الحقيقية لا تأتي إلا بعد الجهد، فالمَقيل (أي الراحة) لا يُدرَك إلا بالسعي المتواصل، وتحمُّل الأعباء، والصبر على التعب، وهو مبدأ نفسي أيضاً، حيث أن الشعور بالراحة يكون أعمق عندما يأتي بعد تعب وإنجاز.
رابعاً: نستفيد من هذه الحتمية أن الوقت هو من أهم الموارد التي يمتلكها الإنسان، وتشير إلى أن من يستثمر وقته بحكمة وسُرعة دون تضييع سيتمكن من بلوغ أهدافه قبل غيره.
خامساً: هذه الحتمية لا تقتصر على النجاحات المادية، بل تشمل النجاح الأخلاقي والديني أيضاً، فمن يسارع في أداء الواجبات الدينية والطاعات يصل إلى الفوز في الدنيا والآخرة.
سادساً: تجَنُّب التسويف والتأجيل والمُماطلة، فإن جميع ذلك يؤدي إلى ضياع الفرص، لذا يجب البدء بالعمل دون تأخير، مع الحرص على التنفيذ بكفاءة. وإتقان.
سابعاً: العمل بذكاء وليس فقط بجهد، فليس المُهم فقط أن يكون الشخص سريعاً أو مبادراً إلى إنجاز أعماله، بل يجب أن يكون ذكِياً في عمله، فيختار الوسائل الأكثر فاعلية لتحقيق أهدافه بأقل جُهد وزمن ممكنين.
ثامناً: التوازن بين السَّعي والراحة، فكما أن المسافر لا يمكنه المشي بلا توقف، فإن الإنسان يحتاج إلى فترات راحة منتظمة ليستطيع مواصلة العمل بفعالية، فإن للبدن حقوقاً منها: إراحته، ولذلك جعل الله الليل سكناً.
تاسعاً وأخيراً: الاستعانة بالله تعالى مع الأخذ بالأسباب، فلا بُدَّ من التوكُّل على الله، لأن السَّعي وحده لا يكفي دون التوفيق الإلهي.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل