مَنْ كَثُرَ قَلَقُهُ لَمْ يُعْرَفْ بِشْرُهُ

مَنْ كَثُرَ قَلَقُهُ لَمْ يُعْرَفْ بِشْرُهُ

هناك قاعدة نفسية وسلوكية يذكرها الإمام علي (ع)، تكشف عن أثر القلق والتوتر على شخصية الإنسان وسلوكه الاجتماعي، ومن الضروري أن نفهمها ونلتزم بمقتضاها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ كَثُرَ قَلَقُهُ لَمْ يُعْرَفْ بِشْرُهُ”.
قاعدة نفسية وسلوكية يذكرها الإمام (ع)، تكشف عن أثر القلق والتوتر على شخصية الإنسان وسلوكه الاجتماعي، ومن الضروري أن نفهمها ونلتزم بمقتضاها، فإننا نعيش في عالم مشحون بالضغوط والتحديات، ونجد الكثير من الأفراد يغرقون في القلق حتى يصبح سِمَة طاغية على حياتهم، ما يؤدي إلى تراجع قدرتهم على العمل والابداع، والتفاعل مع الحياة وأحداثها، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين.

والجوهرة الكريمة التي بين أيدينا تشير إلى العلاقة العكسية بين القلق والبشاشة، فكلما زاد القلق في نفس الإنسان، تلاشت قدرته على إظهار البَشاشة والفرح، وأصبح غارقاً في همومه بطريقة تجعله غير قادر إراحة نفسه وعاجز عن التأثير الإيجابي في محيطه الاجتماعي.
ومما لا شكَّ فيه أن للقلق تأثيراً كبيراً على نفسية الإنسان، وأدائه، وتفاعله مع محيطه، وإذا استمر كان دليلاً على جملة من الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى التوتر الدائم والتعامل بعصبية مع الأمور، ما يؤثِّر على مجمل حياته ويقلل قدرته على العمل.

ومعلوم أن الإنسان الذي يتملَّكه القلق يصبح متجَهّم الوجه، فاقداً البشاشة فضلاً عن الابتسامة، فاذا تواصل قلقه تواصل تجهّمه، ما يجعل الآخرين ينفرون منه، أو يجدون صعوبة في التعامل معه، فالبشر ينجذبون إلى الأشخاص البشوشين الذين ينشرون طاقة إيجابية، بينما القلق المتواصل يضع حاجزاً بين الإنسان ومحيطه الاجتماعي.
الإمام أمير المؤمنين (ع) يدعونا في هذه جوهرته الكريمة إلى ضرورة تحقيق التوازن النفسي، بحيث لا نستسلم للقلق المُفرط المتواصل الذي يطفئ إشراقة وجوهنا ويُذهب قدرتنا على بَثِّ الطمأنينة فيمن حولنا، لأننا بأمس الحاجة إلى التعامل مع أزماتنا الكثيرة بروح إيجابية بدلًا من الغرق في القلق والتوتر، وقد أثبتت التجربة الإنسانية أن الأشخاص الذين يعانون من القلق المُزمن يخفقون في التعامل مع أزماتهم، ويجدون صعوبة في تكوين علاقات سليمة وصحيحة، لأن قلقهم الدائم يجعلهم عاجزين عن إيجاد الراحة لأنفسهم ولغيرهم.

وأثبتت أن القلق المتمادي يؤثر على الأداء العملي، حيث يُفقِد الفردَ تركيزه وقدرته على اتخاذ القرارات المناسبة، ويصبح أكثر عرضة للصراعات مع محيطه العملي بسبب مزاجيته.

وأثبتت أن الآباء المصابين بالقلق ينقلونه إلى أبنائهم، ما يجعلهم أقل ثقة بأنفسهم وأكثر خوفاً من مواجهة الحياة وأزماتها، لذلك، من المهم أن يكون الآباء قدوة في التوازن النفسي لأبنائهم.

وقد أثبتت الأبحاث في الصحة النفسية، أن القلق المتواصل يؤدي إلى العديد من الأمراض الجسدية مثل ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، فضلاً عن تأثيره السلبي على الصحة النفسية، مثل الاكتئاب والأرق.
بناء على ما تقدم، يصبح من الضروري لكل فرد منا أن يتعلم كيف يدير نفسه حين القلق والتوتر، فيعطيهما المساحة المُستَحقَّة دون زيادة، ويعرف أن كثيراً من القلق سببه الأوهام لا الحقائق، ويتعامل مع قلقه بتفكير إيجابي وليس بتفكير سلبي، فإن التفكير السلبي يزيد من وطأته عليه، أما التفكير الإيجابي فيسمح له بالتماس المخارج منه، وإيجاد فرص قد تكون غير منتظرة.

ومن الضروري في هذا المضمار أيضاً: أن ينظِّم المرء أولوياته، لأن الكثير من القلق ناتج عن تراكم المهام والحاجات وقلة الوقت والإمكانيات، ما يراكم الضغوط عليه، فتنظيم الأولويات وتقديم الأهم على المُهم يجنِّبه الإرباك والتوتر.

ومن الضروري أيضاً أن يشارك همومه مع من يثق به، فإن ذلك يخفف من قلقه، وقد يكون لدى صديقه أو أخيه فكرة تساعده على الخروج مما يقلقه، وأن يتجنَّب العزلة وهو في حال القلق لأنها تزيد من حدته، وقد تكون لها عواقب خطيرة عليه.
ولا ينسى أولاً وآخراً أن يكون أكثر إيماناً بأن الله تعالى لا ينساه من رحمته وعونه، فيحسن الظن به، ويتوكل عليه، ويوقن بحُسن تدبيره له.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل