الخوف من الله تعالى نوع من الخضوع والخشية أمام عظمته جلّ شأنه، والذين يحملون هذا الخوف طوبى لهم وحسن مآب، روى مولانا الإمام الباقر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: “…، طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس”[1].
وقال الإمام الصادق عليه السلام: إنّ مما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ألا إن المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما اللَّه صانع فيه، وبين أجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته، وفي الشيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات، فو الذي نفس مُحمّد بيده، ما بعد الدنيا من مستعتب، وما بعدها من دار إلاّ الجنّة أو النار”[2]، والخوف من الله تعالى هو من خصائص المؤمنين وسمات المتّقين، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “الخشية من عذاب اللَّه شيمة المتقين”[3].
والرجاء الصادق كذلك أيضاً فهو شيمة المتّقين العاملين، “لأن من رجا شيئاً طلبه”[4]، وقد ورد في الرجاء من النصوص الشريفة المروية والوصايا، والمواعظ والحِكم، المنقولة عن النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين، وصحابته والصالحين أكثر ممّا ورد في الخوف، فسِعة رحمة الله تعالى حقّ، ولكن لا بدّ لمن يرجوها من العمل الخالص المعدّ لحصولها، وترك الوغول في المعاصى المفوّت لهذا الاستعداد، وهذا هو الرجاء الصادق الممدوح، وانظر الى سِيَر المعصومين من أنبياء ومرسلين وأوصيائهم أجمعين عليه السلام فإنّهم مع كونهم أعلم بسعة رحمة الله تعالى إلا أنّك تجدهم قد صرفوا أعمارهم في طاعة الله عزّ وجلّ لعلمهم بأنّ توقّع الأجر بدون الطاعة محض الغرور، والقول بأنّا نرجو بدون العمل قول زور، وأن الذين يقولون: “نرجو ولا يعملون هم قوم يترجّحون في الأماني كذبوا ليسوا براجين”[5]، قال مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام – فيمن يدّعي أنه راج -: “يدّعي بزعمه أنه يرجو الله، كذب والعظيم! ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله؟! فكلّ من رجا عرف رجاؤه في عمله، وكل رجاء – إلا رجاء الله تعالى – فإنّه مدخول، وكلّ خوف محقّق – إلا خوف الله – فإنه معلول”[6].
وكذلك الرجاء الذي يجعل العبد يحسب نفسه لائقاً بالعفو أو الإثابة، أو رؤية عمله حسناً جميلاً يستحقّ به الجزاء، فهو رجاء كاذب مذموم، وقد علّمنا إمامنا السّجاد زين العابدين عليه السلام في المناجاة أنْ نستعيذ بالله من هذا الرجاء: “وأعوذ بك من دعاء محجوب، ورجاء مكذوب، وحياء مسلوب..”[7].
الخوف جلباب العارفين:
“إنّ من جملة المفاهيم التي تمّ التأكيد عليها في تعاليم الأنبياء، لا سيّما القرآن الكريم ومن بعده روايات أهل البيت عليهم السلام، وطُرحت حولها مباحث عديدة هو مفهوم “الخوف” وفي مقابله مفهوم “الرجاء”. وشبيه بالبحث الذي أوردناه حول الحزن فهناك بحث حول الخوف أيضاً. فقد أسلفنا أنّ الحزن – وفقاً للثقافة العالميّة – هو أمر لا قيمة له ولا يتمتّع بأيّ مكانة بين القيم الإنسانيّة، وإنّ علماء النفس يبذلون غاية وسعهم لإبعاد الإنسان عن كلّ ما يورثه الغمّ والحزن، وهناك حول الخوف ما يشبه هذا الكلام أيضاً، فقد شاهدتُ يوماً يافطة كُتب عليها نقلاً عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قوله: “أعظم الذنوب الخوف”! ولا أدري ما هو مصدر هذا الحديث، بيد أنّه من المعروف أنّ الخوف مذموم في علم النفس. كما أنّهم يؤكّدون في العلوم التربويّة على ضرورة تربية الطفل بحيث لا يخاف من أيّ شيء. وقد تكون لهذا الكلام صحّة في الجملة، لكنّه مبهم، فإنّنا نُشاهد في المقابل بأنّ الخوف والخشية وما يُعادلهما تُذكر في القرآن الكريم بعنوان كونها قيماً إيجابيّة ويتمّ التأكيد على ضرورتها أيضاً، وبغضّ النظر عن الآيات التي تأتي على ذكر الخوف بصراحة فكلّما ذُكرت كلمة التقوى ومشتقّاتها تقريباً، فإنّه يندرج فيها مفهوم الخوف أيضاً، فالوقاية تعني حفظ النفس والتقوى هي: أن يحفظ الإنسان نفسه من الخطر، فعندما يُحاول الإنسان حفظ نفسه من شيءٍ مّا، فذلك لأنّه يخشى ضرره، ومن هنا فإنّ كلمة “التقوى” تتعدّى أحياناً إلى يوم القيامة كما في قوله: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ﴾[8]، كما قد استخدم “الخوف” في آية أخرى ليعطي نفس المعنى أيض، وهو قوله: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾[9]، وعلى أيّة حال فليس ثمّة من شكّ في أنّ للخوف والخشية، وما يُشابههما منزلة خاصّة في التعاليم الإسلاميّة.
* المهتدون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص 169.
[2] م.ن، ج2، ص 70.
[3] الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص 94، الحكمة 1783.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 68.
[5] م.ن.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج9، ص 226.
[7] الإمام السّجاد علي بن الحسين عليهما السلام، الصحيفة السجادية، دعائه في المناجاة 199.
[8] سورة البقرة، الآية 281.
[9] سورة النور، الآية 37.