النصوص الشرعية تدعو إلى كفِّ الأذى عن الناس

النصوص الشرعية تدعو إلى كفِّ الأذى عن الناس

قد دعت النصوص الشرعية الشريفة وبكثرة إلى كفِّ الأذى عن الناس، وأعلنت بصراحة حرمة التسبُّب لهم بأي نوع من الأذى المادي والمعنوي، سواء كان باللِّسان كالغيبة، والنميمة، والبُهتان، والسَّب أو بالفعل كالاعتداء الجسدي.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ كَفَّ أَذاهُ لَمْ يُعادِه أَحَدٌ”.
معادلة أخرى يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، تقدم لنا منهجاً أخلاقياً راقياً في بناء علاقة مع الآخرين قائمة على الاحترام والمودة المتقابلين، وتكشف عن الطريق إلى الأمن من عداوة الناس وكرههم، ويقوم على ذلك علاقة شرطية بين كَفِّ الأذى، والأمن من عداوة الناس، مِمّا يعني أن على الشخص الذي يريد أن يأمن عداوة الناس أن يبادر هو أولاً إلى كّفِّ أذاه عنهم، وعدم التعرُّض لهم بسوء.
قبل نحو عقد من الزمن سأل رئيس دولة عظمى ما فتئت تثير الحروب في أرجاء العالم، وتقمع الشعوب، وتنهب الثروات، وتتحكَّم بمصائر الدول، سأل فقال: لماذا يكرهوننا، وغفل أو تغافل عن الجواب، ومعرفة الجواب سهلة: الشعوب تكرهكم لأنكم تتسببون لها بالأذى، تجرّون إليها الحروب والويلات، وتصادرون قرارها وحرَّيتها، وتنهبون ثرواتها، وتحشرون أنوفكم في الصغير والكبير من أمورها، فمن الطبيعي أن تكون ردة فعلها قاسية، وأن يكون موقفها منكم غاضباً، وأن تكرهكم، وتتمنى زوالكم وزوال كل الظالمين أمثالكم.
مِمّا لا شكَّ فيه أن كفَّ الأذى عن الآخرين يخلق بيئة اجتماعية آمنة، الأمر الذي يقلِّل من دوافع العداء، والإنسان الذي لا يؤذي الآخرين يصبح محبوباً لهم، قال الإمام أمير المؤمنين(ع): “مَنعُ أذاكَ يُصلِحُ لَكَ قُلوبَ عِداكَ”.
وكَفُّ الأذى ليس سلوكاً اجتماعياً راقياً وحسب، وليس مساهمة إيجابية في استقرار المجتمع وسلامته وأمانه فقط، بل هو قبل ذلك إحسان إلى نفس المُمتنع عن الأذى، واحترام لها، وصيانة لكرامتها، فقد رُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “مَن كَفَّ يَدَهُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّما يَكُفُّ عَنهُم يَداً واحِدَةً ويَكُفّونَ عَنهُ أَيدِيَ كَثِيرَةً”.
لقد دعت النصوص الشرعية الشريفة وبكثرة إلى كفِّ الأذى عن الناس، كل الناس، وأعلنت بصراحة حرمة التسبُّب لهم بأي نوع من الأذى المادي والمعنوي، سواء كان باللِّسان كالغيبة، والنميمة، والبُهتان، والسَّب أو بالفعل كالاعتداء الجسدي، والظلم، وأكل الحقوق وجحدها، فالمؤمن الحق وفق معايير الإيمان لا يكون منه أذى للآخرين بحال من الأحوال، فالخير منه مأمول، والشرُّ منه مأمون، فضلا عن أن العاقل المدرك لقبح العدوان، وقبح التسبُّب بالأذى للآخرين لا يكون منه ذلك أبداً ولذلك رُوِيَ عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: “كَفُّ الأَذَى مِن كَمالِ العَقلِ، وفيهِ راحَةُ البَدَنِ عاجِلاً وآجِلاً”.
الذي يهمنا مِمّا سبق أن من يكفُّ أذاه عن الآخرين لا يعادونه، ولا يحاربونه، لعدم وجود الداعي إلى ذلك، فالناس بطبيعتهم يميلون إلى معاداة من يُسيء إليهم أو يتسبَّب لهم بالأذى، لكن عندما لا يجدون منه ضرراً أو إساءة، فلا تتولَّد لديهم أسباب للعداوة، إلا إذا كانوا هم أنفسهم يمارسون الإيذاء والتعدّي على الآخرين كما هو حال بعض الدول والجماعات الطاغية الظالمة في زماننا هذا.

لكن على مستوى الأفراد فعندما يكف الإنسان أذاه يستجلب ثقة الناس ومحبتهم، مِمّا يعزز بينهم أواصر المودة والتعاون والتراحيم، وهذا بدوره يخلق مجتمعاً آمناً، متعاوناً، متكافلاً، فضلا عن راحة ضمير الفرد وطمأنينته النفسية، وهذه من أهم الحاجات التي يسعى الإنسان إليها.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل