لقد دعا القرآن الكريم المؤمنَ إلى أن يكون عند حُسنِ ظن أخيه فيه، يجيبه إذا دعاه، وينصره إذا استنصره، ويعينه إذا استعان به، ويقضي حاجته، ولا يخيّب ظنَّه به إن جاءه راجياً معونته ورفده.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ رَجَا بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ”.
وهذه الجوهرة الكريمة من جواهر الأخلاق الإسلامية التي تُرسّخ مبدأ التعاطف الاجتماعي وتَحمُّل المسؤولية تجاه الآخرين، إنها تدعو إلى تفعيل الثقة المتبادلة بين المؤمنين، وإشاعة الخير في المجتمع، وهي منهجٌ ربّاني متجذِّر في القرآن وسنة النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع).
لقد دعا القرآن الكريم المؤمنَ إلى أن يكون عند حُسنِ ظن أخيه فيه، يجيبه إذا دعاه، وينصره إذا استنصره، ويعينه إذا استعان به، ويقضي حاجته، ولا يخيّب ظنَّه به إن جاءه راجياً معونته ورفده، فالمؤمن ولي المؤمن، هو يده وعينه ولسانه، يحبُّ له ما يحبُّ لنفسه ويكره له ما يكره لها، والآيات كثيرة في هذا الشأن منها على سبيل المثال قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ…﴿الأنفال: 72﴾.
أما رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع) فما خاب من رجاهم، ما ردّوا سائلاً ولا محتاجاً بل كانوا لَيُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويكفينا في هذا المجال ما شَهِد الله تعالى لهم به حينَ خلَّد إيثارهم في كتابه الكريم، يوم أطعموا المِسكين واليتيم والأسير طعامهم الذي لم يكن لديهم غيره، وبقوا ثلاثة أيام صائمين، فقال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿الإنسان: 9﴾
وقد أوصى النبي (ص) والأئمة (ع) بإعانة المستعين، وقضاء حاجة المحتاج في عشرات الوصايا، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَن أقرَضَ مَلهوفاً فَأحسَنَ طَلِبَتَهُ استَأنَفَ العَمَلَ وأعطاهُ اللَّهُ بِكُلِّ دِرهَمٍ ألفَ قِنطارٍ مِن الجَنَّةِ”.
وكان مِمّا أوصى الإمام أمير المؤمنين ابنه الأمام الحسن (ع): “وإذا وَجَدتَ مِنْ أَهْلِ الفاقَةِ مَن يَحمِلُ لَكَ زادَكَ إلى يَومِ القِيامَةِ فَيُوافِيكَ بهِ غَداً حيثُ تَحتاجُ إلَيهِ، فاغتَنِمْهُ وحَمِّلْهُ إيّاهُ، وأكثِرْ مِن تَزويدِهِ وَأنتَ قادِرٌ علَيهِ، فلَعَلَّكَ تَطلُبُهُ فلا تَجِدُهُ، واغتَنِمْ مَنِ استَقرَضَكَ في حالِ غِناكَ، لِيَجعَلَ قَضاءَهُ لكَ في يَومِ عُسرَتِكَ”
ورُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: “مَنْ كانَ في حاجَةِ أَخيهِ المُؤْمِنِ المُسْلِمِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ ما كانَ في حاجَةِ أخيهِ”
وعنه (ع): “إنّ العَبدَ لَيَمْشي في حاجَةِ أخيهِ المؤمنِ فيُوَكِّلُ اللَّهُ عزّوجلّ بهِ مَلَكَينِ: واحِداً عَنْ يَمينِه وآخَرَ عَن شِمالِهِ، يَسْتَغْفِرانِ لَهُ ربَّهُ ويَدعُوانِ بقَضَاءِ حاجَتِهِ”
إن الإسلام يريد للإنسان أن يكون في عَون أخيه وفي خدمته، ليصنع من ذلك مجتمعاً متماسكاً متعاوناً متكافلاً يكفل بعضه بعضاً، ويدرك كل فرد منهم أن رجاء أخيه فيه نعمة من نعم الله عليه، ونداء من الله إليه يلزمه أن يستجيب له، وقد جاء عن رسول الله (ص) أنه قال: “الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ”
وما أشد حاجتنا في هذا الزمن إلى تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية الكبرى، وأن نعمل على تحويل هذه الجوهرة الكريمة إلى منهج عملي ننهجه في حياتنا الاجتماعية، وأن نبدأ بالخطوة الأولى في هذا المجال، فكل خطوة ولو كانت صغيرة تُحقق ظنَّ المحتاجين تُثقل ميزان حسناتنا وتُقوّي بُنياننا الاجتماعي.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي