Search
Close this search box.

حديث التقريب.. الامام الشهيد الصدر رائد الوحدة والتوحيد (1)

حديث التقريب.. الامام الشهيد الصدر رائد الوحدة والتوحيد (1)

الحديث عن إخلاص الشهيد الصدر لربّه كاف لسموّه؛ وهذا هو الذي فجّر فيه كل الطاقات التي أودعها ربّ العالمين في الكائن البشري حين نفخ فيه سبحانه من روحه، فاستحقّ أن تسجد له الملائكة وتأهّل لحمل الأمانة الكبرى.

السيد الشهيد، عملاق الفكر الإسلامي المعاصر محمد باقر الصدر، يقف الإنسان مشدوهًا حائرًا أمام هذه الشخصيّة لسعتها وعظمتها وسموّها ونبوغها، لا يدري أي جانب يتناول منه إذا أراد تعريفه.

عظمة هذا الرجل تعود إلى تحلّيه بكل عناصر سموّ الكائن البشري وعلى رأسها تحرره من ذاتيته الفردية وذوبانه في ذات الله.

هذا إلى جانب خصائص تجمّعت فيه وقلّما تجتمع في شخص واحد ومنها: العمق العلمي، والذهنية المنفتحة على الرسالة الإسلامية بأوسع أبعادها، وفهمه المركز للواقع الاجتماعي ولما يحيط بعصره من فرص وتحديات وتيارات واتجاهات فكرية وسياسية، ونبوغ فريد أهّله لأن يغوص في أعماق كل ما يهتمّ به من مشاريع ومواضيع فكرية وعلمية وعملية.

دع كل ذا، فالحديث عن إخلاص الشهيد الصدر لربّه كاف لسموّه. وهذا هو الذي فجّر فيه كل الطاقات التي أودعها ربّ العالمين في الكائن البشري حين نفخ فيه سبحانه من روحه، فاستحقّ أن تسجد له الملائكة وتأهّل لحمل الأمانة الكبرى.

ينتمي الشهيد محمد باقر الصدر إلى أسرة الصدر المعروفة بالعلم والجهاد والتقوى، وأمه من أسرة آل ياسين التي لا تقل شأنا عن أسرة الصدر.

ولد في مدينة الكاظمية قرب بغداد، وفقد والديه في صغره، وتولّى تربيته أخوه الأكبر السيد إسماعيل الصدر؛ ودرس مقدمات العلوم في مسقط رأسه، وواصل دراسته في النجف الأشرف، وبدا عليه النبوغ منذ صغره وبلغ درجة الاجتهاد ولـمّا يبلغ الحلم وهي ظاهرة نادرة جدًا في تاريخ الحوزات العلمية. وكتب في علم أصول الفقه: غاية الفكر في علم الأصول في العشرين من عمره وطبع ونشر سنة 1376هـ / 1956م.

رغم تعمّق هذا الشاب في الدراسات الفقهية والأصولية، فإنه لم يتقوقع في إطارها بل اتجه إلى المقصد الإسلامي الكبير، وهو إقامة الحياة الإسلاميّة وفق ما تتطلبه ظروف العصر، فقدّم بلغة العصر ما يخدم هذا المقصد.

كانت الظروف التي أحاطت بالعالم الإسلامي في الخمسينات تعجّ بالتيارات الفكرية الوافدة وعلى رأسها الفكر الماركسي الاشتراكي والفكر الليبرالي الغربي، فتصدّى لها بكل ما تتطلبه المرحلة من اطلاع واسع معاصر على هذه التيارات ومن قدرة على تقديم البديل الإسلامي بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر.

ظهر كتاب فلسفتنا سنة 1379هـ/ 1959م وفيه كما يقول السيد الشهيد «مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم وطريقة التفكير فيه».

ثم ظهر اقتصادنا ليناقش المشروع الاقتصادي الماركسي والمشروع الاقتصادي الليبرالي الغربي، وليقدم في الجزء الثاني منه مشروع الاقتصاد الإسلامي.

والكتابان اشتهرا في العالم الإسلامي شهرة واسعة وتُرجما إلى اللغات العالمية، وكان أثرهما في «التقريب بين المذاهب الإسلامية» يفوق تأثير أي مشروع آخر لأسباب أهمها :-
أنه رفع نظرة المجتمع المسلم في عصره من التفكير في المسائل الصغيرة إلى التفكير في المشروع الإسلامي المتمثل بعودة الحياة الإسلامية. وهذا الارتفاع في النظرة له نتائجه في التعالي على الصغائر والخلافات الجانبية.

ولم يكتف الرجل بمخاطبة المتخصصين عبر كتابيه المذكورين، فألف المدرسة الإسلامية لتكون سلمًا لعامّة القراء للوصول إلى مستوى اقتصادنا وفلسفتنا يقول :-
«وقد لاحظنا من البدء مدى التفاوت بين الفكر الإسلامي في مستواه العالي وواقع الفكر الذي نعيشه في بلادنا بوجه عام، حتى يصعب على كثير مواكبة ذلك المستوى العالي إلا بشيء كثير من الجهد، فكان لابدّ من حلقات متوسطة يتدرج خلالها القارئ إلى المستوى الأعلى ويستعين بها على تفهم ذلك المستوى الأعلى وهنا نشأت فكرة المدرسة الإسلامية».

وقد بلغ الذروة في مشاريعه العلمية التأسيسية بكتابه الأسس المنطقية للاستقراء وكانت ثمرته :-
«1ـ عدم اعتبار الدليل الفلسفي لعقمه واستبداله بالدليل العلمي القائم على البرهان اليقيني والاستقراء المنطقي،
2- وكنتيجة للنقطة الاولى تم القضاء على مرجعية الدليل الفلسفي واحتكاره لمجال الاستدلال على قضايا العقيدة وإفرازاتها المباشرة وغير المباشرة،
3- اعتبار الدليل الاستقرائي وأسسه المنطقية مرجعًا رئيسيًا وضروريًا في عملية انتاج المعرفة أو الاستدلال على مصداقيتها وموضوعيتها،
4- إحداث قطيعة تاريخية ومعرفية مع قرون من الجدل الفلسفي العقيم حول قضايا المعرفة بصفة عامة والمعرفة الصادرة عن الوحي بصفة خاصة، بعد أن تم التأكيد على أن طريق المعرفة اليقينية في مثل هذه القضايا يمر عبر نفس الاتجاه الذي تسير عبره الإنسانية شؤونها الحياتية وتنجز من خلاله منجزاتها العلمية  والتكنولوجية وحضارتها المادية.

وبهذا يكون هذا الأصل التأسيسي قد وصل إلى قمة أهدافه بإحداث نقلة نوعية كبيرة بخصوص أخطر قضية تواجه الإنسانية منذ وجودها، وهي مسألة إقامة الدليل على يقينية أو عدم يقينية المعرفة التي يحصل عليها الإنسان يوميًا. وعلى هذا تكون نظرية المعرفة قد اكتمل بنيانها».

وحين طُلب منه أن يكتب مشروعًا لبنك إسلامي لا يتعامل بالربا قدم كتاب البنك اللاربوي في الإسلام وفيه تتضح إحاطة السيد الصدر بالجانب المالي والإداري من البنك إضافة إلى قدرته على تقديم مشروع إسلامي لبنك لا يتعاطى بالربا، وكان ذلك أساسًا لما أُنشئت بعد ذلك من بنوك إسلامية.

كتبه الفقهية والأصولية تبيّن اهتمامه بالتأصيل الفقهي لمشاريعه، من تلك الكتب: دروس في علم الأصول، وبحوث في العروة الوثقى، وتعليقه على منهاج الصالحين، وغاية الفكر في الأصول.

ولقد نحا في دراساته الفقهية والأصولية منحىً مقاصديًا وجّه فيه هذه الدراسات نحو الواقع العملي، نائيًا بذلك عن البحوث النظرية العقيمة غير المنتجة.

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية 

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل