إنّ مفهوم الرضا بقَدَر الله له مكانة رفيعة في العقيدة الإسلامية الغَرّاء، إذ يشكّل حجر الزاوية لتحقيق السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، فمن يقنع بقضاء الله وقَدَره، يكفيه اليسير من الأمور، فيتفادى الهموم والغموم التي تعكِّر صفو النفس، وتجلب إلى القلب الاضطراب والقلق والتوتر.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ رَضِيَ بِالْمَقْدُورِ اكْتَفى بِالْمَيْسُورِ”.
معادلة تقوم على الربط بين رضا الإنسان بما قدَّرَ اللهُ له واكتفائه بالميسور وعدم تطلُّعه إلى المزيد، مما يؤدي إلى سكينة نفسه وطمأنينة قلبه، وشعوره الدائم بالكفاية والغِنى.
إنّ مفهوم الرضا بقَدَر الله له مكانة رفيعة في العقيدة الإسلامية الغَرّاء، إذ يشكّل حجر الزاوية لتحقيق السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، فمن يقنع بقضاء الله وقَدَره، يكفيه اليسير من الأمور، فيتفادى الهموم والغموم التي تعكِّر صفو النفس، وتجلب إلى القلب الاضطراب والقلق والتوتر.
تدعونا هذه المعادلة إلى فهم أن الاستسلام لمشيئة الله وقَدَره ليس ضَعفاً، بل قوة روحية معنوية تنبع من اليقين بأن كلّ ما يحدث هو بتقديرٍ إلهيٍّ حكيم، يقوم على مراعات مصلحة العبد الواقعية الحقيقية، مما ينتج عن ذلك الأحوال التالية:
أولاً: الرّضا النفسي: فعندما يتّخذ الإنسان من القضاء والقدر رفيق دربه، فإنّه يُحرِّر نفسه من معاناة المقارنة مع غيره من الناس الطامحين إلى تغيير ما لا يُمكن تغيير، مع ما يستتبع ذلك من تراكم الهموم في نفوسهم، وضغوطها الدائمة عليها.
ثانياً: الطمأنينة والسعادة: إنّ الرّضا يُساهم في تقليل المشاعر السلبية كالقلق والتوتر، مما يُفضي إلى حالة من الاستقرار النفسي والسكينة، بل يفضي إلى سعادة دائمة انطلاقاً من شعور الإنسان بدوام رعاية الله وحُسن اختياره له.
ثالثاً: الموازنة بين العمل والتسليم: لا يعني الرِّضا بقدر الله الإحجام عن السعي في الحياة، بل هو قبول حكمة الله فيما يقدِّر عليه، مصحوباً ببذل الجهد الواجب والمشروع في تحسين الحال، إذ إنّ الرضا يمنح الإنسان قوة الصبر والثبات أمام المحن.
ويقول الله تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴿50﴾ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿التوبة: 51﴾ في هاتين الآيتين الكريمتين ينقل الله تعالى لنا موقف المنافقين من قَدَر الله تعالى، إذ كانوا ولا زالوا يرون أنهم الأذكى في التعامل معه، فإن أصابت النبي والمؤمنين حسنة، وقَدَّر الله لهم نصراً يزعجهم ذلك حتى ليبدو الإنزعاج والسوء على وجوههم ويتجلى على ألسنتهم ومواقفهم، وإن أُصيب النبي والذين آمنوا بنكسة أو ألَمَّت بهم خسارة يقولون: قد احتطنا لذلك من قبل، وتجنَّبنا ما أصابكم بذكائنا وفِطنتنا، رغم أن موقفهم هذا لم يكن إلا نفاقاً وفراراً من النهوض إلى أداء التكليف الإلهي، هذا هو موقف أهل النفاق مدى التاريخ، ذلك أنهم يأخذون بظواهر الأمور، ويحسبون البلاء شراً في كل حال، ويظنّون أنهم يحققون لأنفسهم الخير بالتخلف والقعود، و قد خلت قلوبهم من التسليم لله، والرضى بقدره، واعتقاد الخير فيه.
إن الخسائر التي تلحق بالمؤمنين الرساليين في ميادين الصراع والمواجهة مع الباطل ليست كلها خسائر، إنها أقدار كتبها الله عليهم لحكمة بالغة، فدماء الشهداء تكرِّس في المجتمع القيم الرسالية، وإذا لم يقتل الشهداء فإنهم لا يخلدون في الحياة بل كانوا سيموتون بسبب أو بآخر، ولكن حين استشهدوا وأُريقت دمائهم دفاعاً عن الأرض والعرض والدين والمستضعفين، جرت تلك الدماء الزكية في عروق الآخرين للتحول الى عزيمة راسخة وصلابة واستقامة.
فالمؤمن الصادق الصابر المحتسب يتلقَّى ما يصيبه برضى واحتساب، يبذل جهده ويقدّم التضحيات الجِسام، ولا يخشى، ولا يخاف، ولا يقلق، ويواجه قَدَر الله برضاً وتسليم اعتقاداً منه بأن ما يصيبه من خير أو شر معقود بإرادة الله، وأن الله ناصر له ومعين، فالله يَعِدُ المؤمنين بالنصر رغم ما يصيبهم، ويَعِدُهم بأن الجولة الأخيرة لهم على أعدائهم، فمهما يصيبهم من شدة، ومهما يلاقوا من ابتلاء، فهو إعداد للنصر الموعود، ليناله المؤمنون عن بَيِّنَة، وبعد تمحيص، وبوسائله التي اقتضتها سُنَّة الله، نصراً عزيزاً لا رخيصاً، وعزة تحميها نفوس عزيزة مستعدة لكل ابتلاء، صابرة على كل تضحية، لذلك فهم لا ينهزمون نفسياً مِمّا يُقَدِّر الله عليهم من الانتكاسات، بل يعلمون ان الانتكاسة خطوة الى الوراء، وخطوتان الى الامام بإذن الله، وبفضل التوكل عليه.
“مَنْ رَضِيَ بِالْمَقْدُورِ اكْتَفى بِالْمَيْسُورِ” دعوة سامية للاتكال على الله تعالى والرضا بقدره الأمر الذي يُمكّن المؤمن من تحقيق السكينة والطمأنينة التي لا تنال إلا بمن آمن بأن لكلّ شيءٍ حكمةً إلهيةً.
إنّ التطبيق العملي لهذه الفكرة يقود الفرد إلى حياة متزنة تجمع بين العمل الجاد وقبول ما لا يمكن تغييره، مما يفتح له أبواب الفرج في الدنيا والآخرة.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي