Search
Close this search box.

ماذا يعني التوحيد في الربوبية التشريعية؟

ماذا يعني التوحيد في الربوبية التشريعية؟

الشرط الأول للدخول في هذا السبيل.. سبيل العبادة، هو أن يعترف الإنسان بأن للَّه تبارك وتعالى حق الأمر والنهي على الإطلاق. وهذا ما نعبّر عنه بالتوحيد في الربوبية التشريعية. فالتوحيد له مراتب وله حد نصاب.

توحيد اللَّه في الخالقية كان مشتركاً بين المسلمين والمشركين “ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ اللَّه”. لم يكن المشركون منكرين لخالقية اللَّه تبارك وتعالى. بل كانوا يعتقدون بالشرك في الربوبية. كانوا يقولون أن اللَّه تعالى خلقنا وجعل تدبير أمورنا إلى أرباب أو إلى أنفسنا. فكانوا ينكرون الربوبية التكوينية.

وبعد ذلك تصل النوبة إلى الربوبية التشريعية. وذلك بعد الاعتراف بوجود اللَّه ووحدته وكونه رباً لنا ومدبّراً لأمورنا التكوينية، تصل النوبة إلى أنه هل تجب إطاعته أم لا؟ هل له حق الأمر والنهي وجعل القوانين والأحكام أم لا؟ فإذا لم يصل الإنسان إلى هذا الحد( الإيمان بالربوبية التشريعية للَّه تعالى)، فهو يعدّ كافراً في عرف القران الكريم. ما الدليل على ذلك؟ نسألكم هل كان إبليس كافراً في عرف القران الكريم أم لا؟ “فأبى واستكبر وكان من الكافرين”. فما الموجب لكفره؟ هل كان منكراً لوجود اللَّه؟ منكراً لخالقيته؟

قال:( خلقتني..) كان معترفاً بأنه هو خالقه وخالق ادم وغيره. “خلقتني من نارٍ وخلقته من طين” فلم ينكر خالقية اللَّه تبارك وتعالى. إذاً، فهل كان منكراً لربوبيته؟ لا، قال:(رب….) فهل كان منكراً للمعاد؟ كلا فإنه قال “أنظرني إلى يوم يبعثون” فما الدليل على كفره؟ الدليل هو إنكاره للربوبية التشريعية. يعني أنه كان منكراً لحق الأمر والنهي.. كان منكراً لأنه إذا أمره بالسجود لمخلوقٍ وجب عليه ذلك. ومن أجل ذلك صار من الكافرين.

فحد النصاب للتوحيد إذاً، هو التوحيد في الربوبية التشريعية، وذلك بعد التوحيد في الخالقية والربوبية التكوينية. فإذا كان الإنسان بحيث يقول في نفسه: في الإسلام هناك الحكم الفلاني، إلا أنني أعتقد أنه لو كان كذا لكان أفضل فهو في قلبه كافر وإن كان ظاهره ظاهر الإسلام ويُعامل معاملة المسلم. هذا أمر ظاهري يهدف إلى نظم الأمور في هذه الحياة الدنيا.
إذا علم أن اللَّه تبارك وتعالى أمر بشي‏ء يسير.. بصلاة نافلة مثلاً، ومع علمه بأن اللَّه تبارك وتعالى أمر بذلك كان في قلبه إنكار له..

يقول: لا، لو كان غير ذلك لكان أفضل.. أنا لا أقبل.. عقلي لا يعترف بذلك، فهو كافر بقلبه.

أنت إذاً تعبد عقلك، لا تعبد ربك!!

عندما أمر اللَّه تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، لم يخطر بباله أنه خلاف العقل.. قتل النفس المحترمة أمر مذموم أو قبيحٌ.. لم يخطر بباله ذلك، ولا خطر ببال ولده الشاب. فقال: “يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللَّه من الصابرين”.

لم يخطر بباله هل ذلك جائز؟!.. مالي ذنب حتى أقتل!!.. وذلك لأنه علم أن اللَّه أشار إلى ذلك في رؤيا راها إبراهيم عليه السلام، لكن هذه الرؤيا كانت رؤيا نبوّة. قال: “يا أبتِ افعل ما تؤمر” إنه أمر من اللَّه يجب قبوله، وهو لا يتوقف على قبول عقلي.

هذا هو التوحيد. فإذا كنا لا نعترف بأحكام اللَّه إلا إذا قبلتها عقولنا، كان في توحيدنا نقص. إذاً فالتوحيد في الربوبية التشريعية هو النصاب في التوحيد. وهو الذي كان يفقده إبليس مع أنه كان واجداً لكل الأمور والجوانب التوحيدية الأخرى. فكان موحداً في الخالقية وفي الربوبية التكوينية.. وفي العبادة!! قال إبليس: اعفني من هذا العمل وأنا أعبدك عبادة لم يعبدك بها أحدٌ. وكان قبل ذلك قد عبد اللَّه ستة الاف سنة. وبحسب تعبير أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: “لا يُدرى أمِنْ سِنِي الدنيا أم من سني الاخرة؟”.

إذاً كان قد عبد اللَّه ستة الاف سنةٍ لا يُدرى أنها من سني الدنيا التي كل سنة منها حوالي ثلاثماية وستين يوماً أم من سني الاخرة التي كل يوم منها عند ربك كألف سنة.

مثل هذا الشخص قال: أعفني من سجدة ادم، أعبدك عبادة لم يعبدك بها أحد. قال: إذا كنت تريد طاعتي فافعل ما أريد منك. وإذا كنت لا تريد موافقة إرادتي فلا أعتني بعبادتك، فإنك إذاً تعبد نفسك وإرادتك.


* أصول المعارف الإنسانية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية2025-04-16

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل