من اتّكل على ربِّه وابتغى رضاه وحده، رضيَ الله عنه وأرضاه، وحصل على وقاية روحية معنوية تُصونه من مَكُرِ الناس وسَخَطهم، يستند هذا المبدأ إلى دلائل قرآنية وأحاديث رسول الله (ص) أئمة أهل البيت (ع).
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَطاعَ اللّه لَمْ يَضُرَّهُ مَنْ أَسْخَطَ مِنَ النّاسِ”.
هذه دعوة من الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى التمسك بطاعة الله وترك الانشغال برضا الناس أو سخطهم، لأنها غاية لا يمكن إدراكها بحال من الأحوال، تؤكد ذلك التجربة الإنسانية الطويلة، فالناس مختلفون في طباعهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم، وأهوائهم، وحاجاتهم، إن أرضيت بعضهم، أسخطت بعضهم الآخر، فأما الله تعالى الواحد الأحد فإرضاؤه سهل، وهو الأولى والأهم، والسبيل إلى ذلك طاعته والامتثال لأمره.
يمكننا الاستشهاد لذلك بالمَثَل الذي ضربه الله سبحانه للعبد الموحِّد الذي يطيع الله وحده، يرجو رضاه وحده، فهو عبد يملكه سَيِّد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه ويُكلِّفه به، فهو مستريح مستقرٌ على منهج واحد واضح صريح، يقابله العبد المُشرك الذي يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه، عليه أن ينال رضا هذا وذاك من الناس، وهو بينهم موزَّع، ولكلٍ منهم فيه توجيه، ولكلٍ منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقرُّ على نهج، ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه، فهو في مِلكة شركاء متشاكسين، مختلفين طباعاً، ونوازع، وتفكيراً، فهم على خلاف دائمٍ في أمره، هذا يأمره بإتيان أمر، وهذا ينهاه عن إتيان نفس الأمر، وثالث يطلب منه عملاً، ورابع يطلبه في نفس الوقت لعمل آخر، وهكذا يصبح هذا الإنسان موزع المشاعر، ممزّق الكيان، لا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع، ولا يستطيع أن يقرِّر أيتقدم أم يتأخر، كالريشة في مهب ريح هوجاء، قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿الزُّمُر:29﴾.
فالرجل الأول الذي يملكه شركاء متشاكسون شقي، تمزِّقه الأيدي المُمسكة به، والمختلفة فيه، كلُّ يدٍ تريد أن تذهب به مذهباً، نه يقطع أنفاسه لاهثاً، وراء كل شخص يريد أن يكسب رضاه، بالمَلَق والرِّياء، والدَّسِّ على الآخرين.
أما الرجل الثاني فهو في ملك يد واحدة ، ويطلب رضا إله واحد، فهو مع مالكه على أمر معلوم، ووجه مفهوم، إنه يجد كيانه كلّه حاضراً معه، أينما أقبل أو أدبر، فهو على حال من الأمن والطمأنينة، مادام مطيعاً له، مخلصاً في عبادته.
من اتّكل على ربِّه وابتغى رضاه وحده، رضيَ الله عنه وأرضاه، وحصل على وقاية روحية معنوية تُصونه من مَكُرِ الناس وسَخَطهم، يستند هذا المبدأ إلى دلائل قرآنية وأحاديث رسول الله (ص) أئمة أهل البيت (ع)، أبرزها قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴿69﴾ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴿النساء: 70﴾ ففي هاتَين الآيتين دعوة كريمة يوجهها الله إلى عباده، أن يستجيبوا لله وللرسول، وأن يمتثلوا أوامر الله، وأن يحتكموا إلى كتاب الله، وإلى رسول الله فإن هم فعلوا ذلك كانوا فى عداد الصالحين، الذين رضي الله عنهم، وأجزل المثوبة لهم، من النبيين، والصديقين، و الشهداء والصالحين، ففي هذا المنزل الكريم ينزل ذلك الذي يطيع الله ورسوله، ومع هؤلاء النفر الكرام من عباد الله المقربين المكرمين ينعم بما ينعمون، ويسعد بما يسعدون، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيْقاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، الذين رضي عنهم، وسلك بهم مسالك الهدى والإيمان، وكفى بالله عليماً بعباده، وما هم أهل له من كرامة ومنزلة.
وجاء عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: “قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: مَنْ طَلَبَ مَرْضَاةَ اَلنَّاسِ بِمَا يُسْخِطُ اَللَّهَ كَانَ حَامِدُهُ مِنَ اَلنَّاسِ ذَامّاً، وَمَنْ آثَرَ طَاعَةَ اَللَّهِ بِمَا يُغْضِبُ اَلنَّاسَ كَفَاهُ اَللَّهُ عَدَاوَةَ كُلِّ عَدُوٍّ، وَحَسَدَ كُلِّ حَاسِدٍ، وَبَغْيَ كُلِّ بَاغٍ، وَكَانَ اَللَّهُ لَهُ نَاصِراً وَظَهِيراً”.
بقلم الكاتب والباحث في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي