بعد مبايعة الإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، تدافع الشعراء من كل حدب وصوب لمدحه في بلاط المأمون، لكن أحد أعظم شعراء عصره، أبو نواس، ظل صامتاً ومتأخراً عن المشاركة؛ صمتٌ كُسر لاحقاً بقصيدة فريدة كشفت عن سرّ هذا التأخير.
إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ولي عهده وأن الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا (عليه السلام) وصوبوا رأي المأمون في الاشعار دون أبي نواس [1] فاذنه ولم يقصده ولم يمدحه ودخل على المأمون فقال له: يا أبا نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما اكرمته به فلماذا أخرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع [2] دهرك؟ فانشد يقول:
قيل لـــــي أنــــت أوحـد الناس طراً ** فــــــي فـــــنون مـــن الكلام النبيه
لك مـــن جــــــوهر الكــــــلام بديع ** يثــــــمر الــــــدر فــي يدي مجتنيه
فعلام تركـت مــــدح ابـــــن موسى ** والخصـال الــــــتي تجمّــــــعن فيه
قلت لا أستــــطيع مـــــــدح إمــــام ** كـــان جــــــــبريل خــــــادماً لأبـيه
فقال المأمون أحسنت ووصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم.(3)
[1] هو الشاعر المشهور وله اشعار كبيرة في مدح الرضا عليه السلام، وكان من أجود الناس بديهة. سئل عن نسبه، قال: أغناني أدبي عن نفسي.
[2] القريع فعيل للمبالغة: السيد.
[3] عيون أخبار الرضا، ج،1 ص 154-155