أكد نائب رئیس جمعیة مدرسی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة و عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة آية الله الشیخ عباس الكعبي في مذكرة له أهمية الرسالة الحضارية لقائد الثورة الإسلامية بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزات العلمية
کتب نائب رئیس جمعیة مدرسی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة و عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة “آية الله الشيخ عباس الكعبي” في مذكرة بمناسبة الرسالة الحضاریة لسماحة قائد الثورة الاسلامیة آیة الله العظمی السید علی الخامنئی (دام ظله الوارف علی رؤوس المسلمینن)إن الحضارة الإسلامية الحديثة هي الهدف السامي للثورة الإسلامية في إيران. و فيما يلي نص المذکرة:
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمین والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطاهرين لاسيما بقية الله في الارضين
قال الله تعالي في سورة الحج وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)
بناء الحضارة الإسلامية الحديثة ومتطلباتها استنادًا إلى بيان الخطوة الثانية للثورة ورسالة قائد الثورة بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزات العلمية
الحضارة الإسلامية الحديثة هي الهدف السامي للثورة الإسلامية في إيران. إن تحقيق الحياة الطيبة لا يكون إلا من خلال تنفيذ نموذج التقدم الإسلامي الإيراني. وفي هذا السياق، تشكل وثيقتا «بيان الخطوة الثانية للثورة» و«رسالة قائد الثورة بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس حوزة قم المقدسة» خريطة طريق لبناء الحضارة، وتقع على عاتق الحوزات العلمية والمفكرين والشباب المؤمن الثوري والأركان المختلفة للنظام الإسلامي مسؤولية كبيرة.
الحضارة الإسلامية الحديثة مستمدة من معارف الإسلام المحمدي الأصيل، وتعتمد على مزيج دقيق وحكيم بين العقل والإيمان، والعلم والروحانية، والحرية وعبادة الله، والعدالة والتقدم بشكل متكامل. هذه الحضارة تجسد العقلانية التوحيدية، والعدالة الاجتماعية، والولاية الإلهية في جميع أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية. الحضارة الإسلامية الحديثة ليست جامدة بل حركية ، ولا رجعية بل تقدمية، ولا غافلة عن تطورات العصر؛ بل هي حركة مستدامة بناءً على معرفة عميقة واجتهاد جواهري أصيل. و قادرة على الاستجابة للتحديات المعاصرة، واكتشاف وتطوير الأنظمة الإسلامية المتوافقة مع مقتضيات اليوم، ما يجعلها حركة مستقبلية تهدف إلى إنقاذ البشرية من أزمات الهوية والأخلاق والانهيار الإنساني الناجم عن طريق المسار المادي للغرب.
لقد أشار القائد الحكيم والعالم الرباني والفقية الشمولي والمفكر الإسلامي الكبير إلى أن العناصر الرئيسية لهذه الحضارة تتمثل في التوحيد، العدالة، كرامة الإنسان، إنتاج الإيمان والعمل الصالح، فتح آفاق العلم، الوصول إلى قمم العلم والتكنولوجيا، الأخلاق والروحانية، تحقيق العدالة، التقدم، الاستقلال، الحرية، الكرامة، الاقتصاد المقاوم القائم على الشعب، وأسلوب نمط الحياة الإسلامي.
بيان الخطوة الثانية للثورة يحدد مسارًا واضحًا للانتقال من الوضع الحالي إلى آفاق بناء الحضارة من خلال ثلاث مراحل أساسية هي: بناء الذات، بناء المجتمع، وبناء الحضارة. وتتمثل سبع استراتيجيات محورية لهذا البيان في: العلم والبحث، الأخلاق والروحانية، الاقتصاد القوي، العدالة ومكافحة الفساد، الاستقلال والحرية، العزة والحكمة، وأسلوب الحياة. هذه هي العناصر البرمجية في الحضارة المتوافقة مع الإسلام الأصيل، جنبًا إلى جنب مع بعد البنية التحتية التي تشمل القوة الأمنية والعسكرية ودرء التهديدات، فضلاً عن المحركات الاستراتيجية في مجالات المعرفة، والإدارة، والثقافة، والاقتصاد، والعلم والتكنولوجيا.
في هذا السياق، تفتح رسالة قائد الثورة التاريخية إلى حوزة قم المقدسة بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسها أفقًا جديدًا لمهمة الحوزة في بناء الحضارة. في هذه الرسالة، تم تحديد خمس مهام كبرى للحوزة: التحول في نظام التعليم والبحث بهدف إنتاج العلوم الإسلامية المساهمة في بناء الحضارة، تربية الكوادر المؤمنة والفعّالة، مكافحة العدو في الحرب الهجينة، المشاركة في تصميم الأنظمة الاجتماعية، وإيصال الرسالة العالمية للإسلام إلى البشرية التي تتوق إلى التوحيد والعدالة والأخلاق والروحانية. هذه الرسالة تعرض الحوزة لا باعتبارها مؤسسة تعليمية أو بحثية فحسب، بل مؤسسة استراتيجية لإيصال البلاغ المبين والهندسة الحضارية للمستقبل.
إن بناء الحضارة الإسلامية الحديثة يتطلب مجموعة من المتطلبات: تحول جذري في هيكل ووظائف الحوزات العلمية، إقامة الدولة الإسلامية على مستوى الثورة، تربية مدراء مؤمنين ومخلصين، توطين نماذج التنمية، الوصول إلى نموذج التقدم الإسلامي الإيراني، وتمكين الشباب المؤمن والثوري في مجالات العلم، والتكنولوجيا، والإعلام، والاقتصاد، والإدارة، والثقافة، والدين، والالتزام الاجتماعي. الحوزات العلمية، خصوصًا عندما تتحمل مسؤولية نشر رسالة الإسلام عالميًا، تلعب دورًا لا غنى عنه في هذه العملية.
على الصعيد الميداني أيضًا، فإن تشكيل جبهة نخبوية للأمة الإسلامية يعد أمرًا لا مفر منه؛ وهي حركة متكاملة ومترابطة تضم الحوزة، والجامعات، والمراكز الاستراتيجية، والمفكرين، التي تستطيع مواجهة النظام الاستكباري والجاهلية المعقدة المسلحة بالقتل العالمي وحضارة الغرب المتداعية، وعرض نموذج جديد من العدالة، والتقدم، والروحانية. إعادة تعريف مكانة الحوزات العلمية في قم والنجف، وتطوير نموذج محلي للتقدم والعدالة، وهندسة ثقافة الأمة على محور عاشوراء، والانتظار، والمقاومة، هي من أهم المتطلبات العملية في هذا الطريق.
إن الحضارة الإسلامية الحديثة ليست مجرد مشروع حكومي وتنفيذي فقط، بل هي عملية تاريخية وبناء خطاب قائم على الرؤية التوحيدية، والعزيمة الجهادية، وإزالة العقبات المستمرة، والأمل في مستقبل إلهي. هذه الحضارة هي حركة عالمية لإنقاذ البشرية من هيمنة أمريكا والصهيونية العالمية ، وإعادة الإنسان إلى كرامته الحقيقية في ضوء العقلانية التوحيدية والوحي الإلهي.
في هذه الحركة الكبرى، يجب أن تكون الحوزات العلمية في ظل المرجعية ومجاهدات العلماء المخلصين، هي راية بناء الحضارة. بيان الخطوة الثانية ورسالة المئوية يدعواننا إلى فصل جديد في تاريخ الحوزة، والروحانية، والحكم الولائي؛ فصل يصدع فيه نور الاسلام الإسلام بحيوية ، ونمو و ازدهار ، و بناء للحضارة ومرشد للإنسانية، حيث يضع الطريق إلى رقي الإنسان المعاصر نحو الازدهار المادي والروحي، والسلام والأمن المستدام في ظل التوحيد والعدالة.
وعد الله تعالى في سورة الفتح: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا” (الآية 28)، وقال الإمام الخمینی العظيم قدس سره : “إن الإسلام العزيز قادر على فتح الحصون الاستراتيجية في العالم”.
اليوم، تتوافر جميع الظروف لتحقيق ذلك، بتوكلنا على الله، وإيماننا وثقتنا بوعده الإلهي، و رعاية خاصّة من صاحب العصر والزمان (عج)، وخطّ البناء الحضاري للإمامَيْن الخمینی قدس سره والخامنه ای دام ظله ، وتوجيهات المراجع العظام، دام ظلهم العالی وعزيمة العلماء والنخب، والتكامل والتعاون، والاستفادة من الفرص، والتخطيط والتنظيم الحضاري، وإعادة هيكلة وتطوير المحتوى، وتربية القوة البشرية، ومنح الفرص للشباب الفضلاء والنخب المفعمين بالحماسة والطاقة، مع قيادة في الميدان. و ب
شعارنا ” نحن نستطيع” من خلال القيادة والاتحاد المثالي بين الحوزة والجامعة، وإزالة العوائق، والتحرك على مدار الخطوط الاستراتيجية والحضارية التي وضعها وليّ الفقيه، و بالحركة نحو الجهاد الحضاري، ستتحقق جميع الأهداف السامية والطموحات العالية بإذن الله تعالى.
“وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (سورة التوبة، الآية 105).
19 / 2 / 1404
الاقل _ عباس الکعبی