معادلة تربط بين منع المال عمَّن يستحقه ويكون شاكراً له، مقراً بفضله، وبين وراثته مِمَّن لا يحمَده ولا يعترف بفضله ولا يشكره، وكثيراً ما يحدث ذلك، فمن الآباء من يبخل بماله على أفراد أسرته، يضيِّق عليهم في حياته فيَصِمونه بالبخل والشُّحِّ، فإذا مات انتقل إليهم فاستمتعوا به، وأنفقوه كيفما اتفق، انتقاماً من بخله عليهم، وتعويضاً عن تضييقه السابق عليهم.
تدعونا هذه المعادلة إلى التوسعة على العيال، والإنفاق على المستحقين من الأرحام والفقراء الذين يقابلون الإحسان بالإحسان، والعطاء بالشكر والامتنان، وتؤكد على أن المال في الحقيقة هو مال الله، والإنسان مستخلَفٌ عليه، ليس له أن يبخل به عن مستحقيه، لأن الله يُجري رزقهم على يديه، فإذا أنفقه عليهم زاده الله وشكروه، وإذا منعه عنهم منعه الله المزيد وذمّوه، قال تعالى: ...وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ… ﴿النور: 33﴾.
وتعكس هذه المعادلة العظيمة نظرة الإسلام إلى المال باعتباره أمانة عظيمة يستأمن الله الإنسان عليها، ويدعوه إلى حفظها ولا يرضى منه أن يبخل بها، ومن أبسط آداب حفظها أن يُعطى المال لصاحبه الشرعي والمستحقّ الذي يقدّر المُنعم ويحمده، وفي ذلك مصلحة نفسية واجتماعية، لأنّ العطاء من جهة، والثناء والشكر من الجهة المقابلة يغذّي أواصر المودّة والوفاء، ويمنع من تحوّل المال إلى وسيلةٍ للتبذير أو الاستغلال في أوساطٍ لا تستحقّها.
إن منع المال عن مستحقيه جريمة أخلاقية ودينية واجتماعية، ذات آثار جسمية على المانع وعلى الممنوع عنه، فإن الله تعالى يمنع البخيل المزيد من المال لأنه لا يشكره، فأحد مظاهر شكره أن يعطي المستحقين حقهم منه، قال تعالى:
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴿24﴾ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿المعارج:25﴾ ومن يمنع الحق فهو ظالم لنفسه وظالم لصاحب الحق، والله يحاسبه على ظلمه في الدنيا، وإذا ما وجدنا شخصاً يمنع حقوق العباد من ماله، ومع ذلك يعطيه الله المزيد فليس ذلك إلا استدراجاً له، وإتماماً للحجة عليه، ومن يبخل بالمال على مستحقيه يطوِّقه الله ببخله ناراً في الآخرة، قال تعالى:
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿آل عمران: 180﴾.
فالله تعالى ينهى البُخلاء عن هذا الحسبان الكاذب، وذلك الفهم الأعوج الخاطئ، ويقرر أن ما كنزوه سيطوقونه يوم القيامة ناراً، وكيف لا يُطَوَّقون ناراً وهم يبخلون بما آتاهم الله من فضله، فهم لا يبخلون بمال أصيل لهم، فقد جاؤوا إلى هذه الحياة لا يملكون شيئاً، فأغناهم الله من فضله، ووسَّع عليهم من رزقه، حتى إذا طلب إليهم أن ينفقوا مما آتاهم قليلا لم يذكروا فضل الله عليهم، وبخلوا به، وحسِبوا أن في كنزه خيراً لهم، وهم بعد هذا كله ذاهبون وتاركوه وراءهم، يتنعَّم به ورثتهم فيكون المهنأ لهؤلاء وهم لم يتعبوا في جمع المال وكنزه، يهنأون به ولا يشكرون الذي ورثوه منه، ويكون الوزر على الذي بخل به، يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في هذا: “عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ اَلْغِنَى اَلَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي اَلدُّنْيَا عَيْشَ اَلْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي اَلْآخِرَةِ حِسَابَ اَلْأَغْنِيَاءِ”.