إن الحج حسب تعبير الإمام علي بن أبي طالب (ع) ليس عملا ظاهريا فحسب، بل هو عملية تشمل كيان الإنسان كله، وتطهره من كل دنس وصدأ الذنوب.
يعد الحج من أهم أركان الإسلام، وهو عبادة تتميز عن غيرها من العبادات بصعوبة مناسكها وعاداتها، حتى يكون المؤمنون أكثر عرضة للاختبار الإلهي، وبالتالي ينالون أعظم الثواب.
إن شرط الاستطاعة، ترك المصالح الدنيوية وتحمل مشاق رحلة الحج ، يعني أن كل مرحلة من مراحل الحج الإبراهيمي فرصة لتطهير الروح وتزكية النفس. ويصبح حجاج بيت الله الحرام من خلال هذه المراحل الصعبة أكثر استعدادا لتقبل النعم الإلهية، واكتساب فهم أعمق للروحانية، كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف هذه المناسك:
«قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وَ امْتِحَاناً شَدِيداً وَاخْتِبَاراً مُبِيناً وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ».
تشير هذه العبارات إلى أن الحج ليس رحلة جسدية فقط، بل هو رحلة روحية عميقة تهدي الإنسان إلى الكمال والتقرب من الله، وتترك آثارا باقية في حياته.
تعني عبارة «تَمْحِيصاً بَلِيغاً» في هذا الحديث، التطهير العميق والكامل والتهذيب. وكلمة “تمحيص” مشتقة من فعل «مَحَصَ»، أي تطهير الشيء وتهذيبه، و«مَحَصّه، مَحصاً» تعني التطهير من أي عيب.
وقد استشهد الراغب الأصفهاني بآيات من القرآن الكريم واستخدم معنى آخر لمفردة “تمحيص“، وهو “التزكية“. ويستشهد بالآيتين ١٤١ و١٥٤ من سورة آل عمران المباركة:
«وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا- (آل عمران-141)» «وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ- (آل عمران-154).
فـ “التمحيص” هنا كالتزكية أو التطهير، ويوجد مثل هذه الكلمات في الدعاء: «اللَّهُمَ مَحِّصْ عَنَّا ذُنُوبَنَا».
إذن تدل عبارة «تَمْحِيصاً بَلِيغاً» على أن الحج ليس عملاً ظاهريا فحسب، بل هو عملية تشمل كيان الإنسان كله، وتطهره من كل دنس وصدأ الذنوب.
إن هذا التطهير والتزكية عميق لدرجة أنه يمكن أن يرفع الإنسان إلى مستوى أعلى من التقوى والقرب من الله سبحانه وتعالى.
وفي واقع الأمر، إن الحج فرصة لإزالة غبار المعاصي من القلب والروح، وتجديد العهد مع الله جل شأنه.