يكفي في الدلالة على ميزة الثبات في موقف الأصحاب ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته الحوراء زينب (عليها السلام)، التي سألته قائلةً: “يا بن أمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة”، فبكى الإمام الحسين (عليه السلام)، وقال: “أما والله لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه”[1].
التجسيد العملي للثبات في مواقف الأصحاب
لقد أثبت أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء صدقهم من خلال دمائهم وأرواحهم التي رخصت أمام إمام زمانهم، وتشهد لهم تلك البقعة التي ارتوت من دمائهم:
أ- موقف مسلم بن عوسجة(رضوان الله عليه):
قام إليه مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليه) ، فقال: “أنخلي عنك، ولَمَّا نُعذِرْ إلى الله سبحانه في أداء حقِّك؟! أَمَا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة. والله، لا نُخْلِيْكَ حتّى يعلمَ الله أنْ قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيك. والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ثمّ أُحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا”[2].
إنّ عبارة “ولَمَّا نُعذِرْ إلى الله سبحانه في أداء حقِّك” فيها دلالة واضحة على إيمان مسلم بن عوسجة، واعتقاده بالسلسلة الهرميّة للولاية. فهو، بتعبيره هذا، يدلّ على معرفته التامّة بأنّ طاعة الوليّ هي طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ يجسّد هذه المعرفة والوعي بالتسليم المطلق عندما يصوّر فرضيّة قتله وحرقه وأنّه لو فعلوا هذا به سبعين مرّة لمَا فارق الإمام الحسين (عليه السلام).
ب- موقف زهير بن القين(رضوان الله عليه):
قام زهير بن القين البجليّ (رضوان الله عليه) فقال: “والله، لوددتُ أنّي قُتِلت ثمّ نُشِرت ثمّ قُتِلت، حتّى أقتل هكذا ألفَ مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك”[3].
ج- موقف القاسم بن الحسن(عليهما السلام):
القاسم بن الحسن المجتبى بن أمير المؤمنين علي (عليهم السلام)، غلام لم يبلغ الحلم، كان على علمٍ بشهادته يوم العاشر من المحرّم، وجوابه لعمّه ليلة العاشر يدلّ على الوعي والإدراك والولاء المطلق، عندما سأله أبو عبد الله عليه السلام عن طعم الموت:
قال له القاسم بن الحسن(عليهما السلام): وأنا فيمن يقتل؟
فأشفق عليه، فقال له: “يا بنيّ، كيف الموت عندك؟!”.
قال: يا عمّ، أحلى من العسل.
فقال: “إي والله، فداك عمّك! إنّك لأحد من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم، وابني عبد الله”[4].
* من كتاب: زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1438 هـ – دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] السيد شرف الدين، المجالس الفاخرة، مصدر سابق، ص233.
[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، المصدر السابق، ج2، ص92.
[3] الشيخ المفيد، الارشاد، مصدر سابق، ج2، ص92.
[4] السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز، تحقيق الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، مؤسسة المعارف الإسلامية، إيران – قم، 1413ه، ط1، ج4، ص215.