عبرة من عاشوراء

عبرة من عاشوراء

السيد وديع الحيدري

   إن التأكيد على زيارة الإمام الحسين عليه السلام في أغلب المناسبات ، وخصوصاً الزيارة التي يُستحب أن يزار بها في كل يوم ، والمعروفة بزيارة عاشوراء ، يدل على أهمية هذه الواقعة بشكل عام ، وعلى أهمية هذه الزيارة بشكل خاص وتأثيرهما في الأمّة وعلى المستويين الفردي والاجتماعي .

   فإذا نظر الإنسان إلى الزيارة المباركة وجدها تدور حول محورين أساسيين كانت تدور حولهما كل الأحداث على أرض الواقع ، وهما محورا التولي والتبري ، وبقسميه القلبي والعملي .

   فالملاحظ من الزيارة أنّها وضّحت للزائر كيفية التعامل مع هذين الأصلين الأساسيين (التولي والتبري) فيما يتعلق بالماضي والحاضر والمستقبل .

   فظهر هذا التعامل في الزيارة بالنسبة إلى الواقعة كحدث تاريخي له زمانه ومكانه الخاصين به، بصورة إبراز الحزن والأسى لعِظم المصاب وكِبر الرزية، وإعلان البراءة من الذين قاموا بذلك الفعل الشنيع ولعنهم والتبري منهم .

   وإعلان التولي في المقابل للطرف الآخر، المتمثل بالإمام الحسين عليه السلام وبأهل بيته وأصحابه، وهذا لا يتجاوز حدّ القلب واللسان .

   أمّا بالنسبة إلى ما يخص المستقبل ، فقد جاء من خلال الدعاء بالتوفيق للأخذ بثأرهم مع الإمام المهدي أرواحنا فداه ، وطلب بلوغ مقاماتهم ومنازلهم في الدنيا والآخرة ، وكما جاء في الزيارة :

(فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ وَرَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ … ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكُمْ مَعَ إِمَامٍ مَهْدِيٍّ  ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ) .

   وهذا أيضاً لا يتجاوز حدّ القلب واللسان .

   أمّا بالنسبة إلى المرتبة الأخرى والمتعلقة بزمان الزائر، والتي يتبين من خلالها الجانب العملي للمسألة، فإنّها ظهرت بشكل واضح من خلال ما نخاطب به الإمام الحسين عليه السلام في المقطع من الزيارة الذي جاء فيه:

   (يَا أَبَا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ وَ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ).

   فالملفت للنظر في هذا المقطع ، هو أنّ هذا الموقف لا يتعلق بطرفي القضية الأصليين، لمكان قوله : (إِلى يوم القيامة) ، وهذا يعني الخروج من الإطار الزماني والمكاني للحادثة وجريانها في التاريخ، وإلى يوم القيامة.

وهذا إن دلّ على شيء ، فإنه يدل على أنّ الحكم ما دام في أيدي الظالمين من أمثال يزيد وبن زياد ومن هم على نفس ذلك النهج المنحرف ، وكذلك ما دامت الأرض لا تخلو من وجود الحجة بالأصالة أو بالنيابة ، فإن هذه الحرب باقية وقائمة .

   فالخطاب ليس من قبيل تمني المشاركة معهم ، كما نقرأ في بعض الزيارات: (يا ليتنا كنّا معكم)، وكذلك ليست العبارة بصدد بيان العداء أو المحبة، كما ورد في الفقرة الأخرى من الزيارة:

(إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالاَكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ) . 

   بل الظاهر من العبارة هو إرادة الحرب والسلم بالفعل ، وهذا يعني أنّ الزائر في صدد بيان موقفه الفعلي من أهل السلم والحرب لهذا الخط وهذا النهج الذي خطّه ونهجه الإمام الحسين عليه السلام .

   فلو أنّ أشياع الإمام المهدي أرواحنا فداه ، وكما جاء في رسالته إلى الشيخ المفيد: (على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم)، وبما يخاطبون به الإمام الحسين عليه السلام في كل يوم، أي لو كانوا عاشورائيين بالفعل:

   (لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا) .

   وهل يوجد أثر على المستويين الفردي والاجتماعي أعظم من تحقق الوعد الإلهي، أو من إدراك الفرج ولو على المستوى الفردي بالنسبة إلى الموفين بالعهد والعاملين بما يخاطبون به الإمام الحسين عليه السلام في زمن الغيبة؟

   إن اهتمام أهل البيت عليهم السلام بهذه الحادثة لم يك مقتصراً على إثارة الجانب العاطفي فيها فقط، بل أرادوا من خلال إثارة هذا الجانب لفت الأنظار إلى تلك الأبعاد الرئيسية والأهداف الحقيقية لهذه النهضة المباركة، والتي لو اجتمعت عليها الأمّة لعادت للمسلمين عزتهم وكرامتهم ، ولرجع الحق المغصوب إلى أهله وإلى نصابه، وهو المطلوب.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل