وجّه قائد الثورة الإسلاميّة، والقائد العام للقوات المسلّحة، الإمام الخامنئي، في كلمته المتلفزة الثالثة عقب العدوان الصهيوني، التهاني إلى الشعب الإيراني العظيم بمناسبة الانتصار في هذه المعركة، وأكّد قائلًا: الكيان الصهيوني وادّعاءاته خارت قواه تقريبًا، وسُحق تحت ضربات الجمهورية الإسلامية. لم يكن يخطر في بالهم، ولا في خيالهم، أن يتلقّوا مثل هذه الضربات من قِبل الجمهورية الإسلامية، لكنّ ذلك ما حصل. نشكر الله الذي أعان قواتنا المسلّحة، فتمكّنت من اختراق دفاعاتهم المتقدّمة والمتعدّدة الطبقات، ووضعت كثيرًا من مدنهم ومناطقهم العسكريّة تحت ضغط صواريخها، وسوّتها بالأرض عبر هجومٍ قويّ باستخدام أسلحتها المتطوّرة؛ وهذه من أعظم النعم الإلهيّة.

وفي هذا السياق، ينشر موقع  KHAMENEI.IR، ضمن ملفّ «رواية الفتح» الذي يتناول تحليلًا شاملًا لانتصار جمهوريّة إيران الإسلاميّة في الحرب المفروضة الأخيرة التي دامت 12 يومًا مع الكيان الصهيوني، حوارًا غير منشور سابقًا مع الشهيد القائد حاجي ‌زاده، القائد الراحل للقوّة الجو-فضائية التابعة لحرس الثورة الإسلاميّة، بشأن دور القيادة العامة للقوات المسلّحة في نموّ وتقدّم القوّة الصاروخية لإيران.

وقد جرى هذا الحوار في العام 2021، بجهود مكتب حفظ ونشر آثار سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي في مشهد. وفي ما يلي النصّ الكامل للحوار:

نستهلّ الحوار بهذا السؤال الأوّل: نرجو منكم أن تحدّثوننا بشكل تفصيلي عن المكانة التي تتمتّع بها القيادة العامّة للقوّات المسلّحة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة.

تنطوي القيادة العامة للقوّات المسلّحة، في المجالين العسكري والدفاعي للجمهوريّة الإسلاميّة، على أبعاد واسعة حقًّا. ربّما أُشير في هذه السنوات بشكل محدود إلى مجال التسليح وصناعة السلاح، لكن من وجهة نظري، فإنّ الأبعاد أوسع من ذلك بكثير، ويمكن إحصاؤها وعدّها. فهي ليست مجرّد أحكام عامّة أو تقييمات إجمالية، بل كلّها موثّقة وتستند إلى شواهد واضحة.

لقد شكّلت مشاركة سماحة الإمام الخامنئي، في سنوات الدفاع المقدّس الثماني، ضمن الحدود التي أذن بها الإمام [الخميني] الراحل، عاملًا مهمًّا وملحوظًا، علمًا بأنّ سماحته لم يُمنح الإذن لفترات طويلة. لكنّ دوره في الشؤون العسكريّة في العقود الثلاثة الأخيرة، بعد رحيل الإمام، كان حاسمًا ومصيريًّا. ولعلّ أحد أسباب هذا الدور يعود إلى معرفة سماحته الدقيقة بالعدو، وحسّه الأمني العالي.

استطعنا، في العقود الثلاثة الماضية، أن ننجو من مؤامرات كبرى، ونجحنا في تجاوز الكمائن التي نصبها العدوّ على طريق نظامنا، بحِنكة وسلامة. وفي كلّ واحدة من هذه المحطّات، كان لدور سماحته وتدبيره أثرٌ واضح وجليّ بالكامل.

ما هو الدور الذي أدّاه سماحته في إدارة الأزمات وتجاوز الفخاخ الأمنيّة والعسكريّة التي واجهت البلاد؟ وهل يمكنكم تزويدنا ببعض النماذج والشواهد الملموسة على ذلك؟

أذكر هنا بعض النماذج، على سبيل المثال: في قضية حرب [صدام] على الكويت، جاء كثيرون من داخل البلاد وأعلنوا أنّ «صدّام» بات يجسّد دور «خالد بن الوليد»، وأنّ علينا الوقوف إلى جانبه لمحاربة أمريكا. وقد طرح العديد من المسؤولين في ذلك الوقت هذا الرأي. لكنّ سماحة السيّد القائد وحده من أدرك أنّ هذه خدعة، وأنّ طرفَي هذا النزاع هما من أهل الباطل؛ فكان هناك أمريكا وأوروبا والدول الغربية من جهة، وصدّام من جهة أخرى. لذلك، لم يسمح بأن تنزلق البلاد والقوّات المسلّحة في هذا الفخ.

أو في حرب أفغانستان، وفي السنوات الثلاثين الأخيرة، واجهنا حالات كثيرة كان الدخول فيها فخًا نُصب للبلاد.

وأيضًا في حرب أفغانستان، ففي الثلاثين سنة الماضية، واجهنا حالات كثيرة كان الدخول فيها فخًا نُصب للبلاد، ويعود الفضل في تجنّبها إلى الحسّ الأمني والبصيرة والفهم العميق لسماحته بصفته القائد العام للقوات المسلّحة، لأنّ إدارته ليست مجرّد إدارة عامة، بل ينبغي أن تتّسم بالسيطرة والتخصّص، وقد لاحظنا بالفعل أنّه يمتلك ذلك في جميع الأبعاد. يشارك في النقاشات ضمن مجالس القادة البارزين وذوي المستويات الرفيعة، حاملًا معه مستوىً عاليًا من الإلمام، ويُظهر منطقُه اتقانًا كاملًا. وفي محطات كثيرة، كان لتدبيره الحكيم دورٌ حاسمٌ في إنقاذ البلاد.

أنظروا اليوم إلى ما يجري من حولنا في منطقة غربي آسيا، حيث تنهار الدول فعليًا، وتضعف الحكومات، وتتلاشى الجيوش، وتنتشر الفوضى والانفلات الأمني بشكل واسع. كلّ ذلك يأتي في إطار مخططات أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني والدول الغربية، التي تهدف إلى غرق هذه المنطقة في الفوضى، وكان الهدف الرئيس منها إيران. راقبوا وضع العراق اليوم، وانظروا إلى حال أفغانستان في هذه الأيام، وما آلت إليه سوريا. ورغم تدخّل إيران وتقديمها الدعم والمساعدة، فقد نجحوا في نهاية المطاف في إضعاف جيوش هذه الدول وتدمير كياناتها.

في بعض المواطن التي كان ينبغي لنا أن نتدخّل فيها، اعترض بعض الأشخاص قائلين: لا، يجب أّلا نتدخّل. مثلًا، عندما اجتاحت الجماعات التكفيرية و«داعش» سوريا والعراق واحتلّتهما، قال كثيرون: ما شأننا بذلك؟ ولماذا نُقحم أنفسنا؟ لكن في تلك اللحظة بالذات، أصدر سماحته قرارًا حاسمًا بأنّه لا، يجب أن نتدخّل ونتوجّه إلى هناك.

اليوم، وبعد مرور سنوات على تلك الأحداث، أصبح من السهل إصدار الأحكام. فمن السهل الآن الحديث عن حرب الكويت، أو قضية أفغانستان، أو الفخاخ التي نصبها العدو لنا. لكنّكم يجب أن تلاحظوا أنه في ذلك الوقت، اتّخذ سماحته قرارات حاسمة؛ فقد قرّر أن نتدخّل في ساحة الحرب في سوريا، لأنّ عدم التدخّل هناك كان سيجعل الحرب تصل إلى طهران، وكرمانشاه، وهمدان. كان لا بدّ من التدخّل في مكان ما، وفي الوقت نفسه كان لا بدّ من الامتناع عن التدخّل في مواضع أخرى. كلّ ذلك تمّ بفضل قيادة وإدارة سماحته. وبرأيي، يُعدّ هذا الأمر من القضايا البالغة الأهمية، ويستحق أن يُبحث ويناقش بنحو مستقل.

أما في المجال الثاني، فتتمتّع قوّاتنا المسلّحة اليوم – سواء كانت الجيش أو الحرس أو التعبئة – بروح قتالية عالية، وشجاعة، وروح مقاومة للظلم. هم لا يشعرون أبدًا بإمكانية الهزيمة أمام أيّ جيش كان، بل يملؤهم الإيمان بالقوّة، ويعلمون تمامًا أنهم أقوياء. هذه الروح القتالية تنبع من التربية والقيم التي تلقّوها بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة.

ما هي العلاقة بين التربية الروحية والعقائدية للقوّات المسلّحة في هذه السنوات وبين قائد الثورة الإسلاميّة؟ وكيف تمّت عملية هذه التربية؟

في مرحلة الحرب المفروضة التي استمرّت ثماني سنوات، كان «صدّام» هو العدوّ المباشر أمامنا. لكن بعد ذلك، طُرحت مسألة أمريكا وبرزت تهديدات الغربيين، ما أثار بعض المخاوف، خاصةً أن قوّتنا لم تكن تضاهي قوّتهم.

أما اليوم، فلا يشعر مجاهدونا وقواتنا في أيّ مستوى من المستويات بأيّ نقص أو ضعف أمام أحد. بل يعترف الجميع بأنّ القوات المسلّحة في إيران، سواء كانت حرس الثورة الإسلاميّة أو الجيش، تُعدّ مجتمعة قوّة مقتدرة وحاسمة.

ولكن كيف تحقّقت هذه التربية؟ في العقود الثلاثة الأخيرة، شملت جميع البرامج المرتبطة بالقوّات المسلّحة – من برامج تدريبية وتعليمية وتربوية، والمراسم التي نقيمها، واللقاءات الأسبوعية المستمرة التي يعقدها سماحته مع القادة العسكريين – نهجًا ثابتًا.

تُعقد هذه اللقاءات بانتظام، حيث حدّد سماحته موعدًا لا يقل عن لقاء واحد في الأسبوع، وخصّص يومًا كاملًا للقاءات مع العسكريين. عبر هذه الجهود الدائمة التي يبذلها سماحته، نشأت هذه التربية في صفوف القوّات، ومنحتهم الجاهزية المطلوبة.

القضية ليست مسألة سلاح أو أدوات فقط، بل تتعلق بالجانب الروحي، والبعد العقائدي، والركيزة التربوية الراسخة. ويُعدّ هذا أحد الجوانب الأساسية من أعمال سماحته، الذي يمكن اليوم تأليف كتب عدة من أقواله ورؤاه العميقة في هذا المجال، لما تحمله من مضمون ثري وعميق.

ما هو دور قائد الثورة الإسلامية في مسار تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التسليح وجعله محليّ الصنع، وما هي القرارات المصيرية التي اتُّخذت في هذا الصدد؟

دفع سماحة الإمام الخامنئي في السنوات التي أعقبت الحرب نحو الاكتفاء الذاتي، وتوطين الصناعات، والاعتماد على القدرات الوطنية في مجال التسليح. لكنّ النقطة الجوهرية تمثّلت في تحديد الطريق الواجب سلوكه، ونوع السلاح الذي ينبغي توطينه، وكيفية إنجاز هذه المهمة؛ وقد تحقّق أمران: أوّلًا، ترسيخ القناعة بأننا «قادرون»، والانطلاق نحو بناء قدرات تسليحية وطنية؛ وثانيًا، أن نُحسن اختيار التوجه الصحيح.

في السنوات الثلاثين الأخيرة، ولعلها بدأت من عام 1984، تجلّت هذه التوجيهات بنحو خاص في مجال الصواريخ. لو كنّا قد سلكنا الطريق الذي سلكته دول العالم – غالبًا الشرقية والغربية – نحو تطوير الطائرات الهجومية، وبلغت اليوم الجيل الخامس من المقاتلات، بينما كنّا على الأرجح سنظل نحاول ونكافح عند الجيل الثالث. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّنا مهما فعلنا، كنا سنبقى متأخرين عنهم بخمسين عامًا. لكنّنا، بدلًا من أن نسير خلف العدو ولا نلحق به أبدًا، اخترنا مسارًا أصبحنا فيه الآن في مواجهتهم. وصحيح أننا واجهنا تهديدات طوال هذه السنوات، لكننا اتبعنا طريقًا يُمكّننا من الرد على هذه التهديدات. في العقد الأخير على الأقل، سرنا بأسلوب «محورية الهدف»، أي أننا سعينا إلى امتلاك معدّات وأسلحة وقدرات معيّنة تُمكّننا من إحراز إنجازات في نقطة محدّدة تُفقد العدو فعّالية قدراته تمامًا. كان دور قائد الثورة الإسلامية في هذا المجال دقيقًا للغاية، وتأثيره تأثيرٌ منقطع النظير.

في بعض الأحيان، نرى أن القرارات التي يتّخذها قائد الثورة الإسلامية، والمساهمة التي يقدّمها سماحته، قد تُغيّر مسار تاريخنا العسكري. إن التوجيه الذي يقدّمه سماحته له تأثير بالغ. سأشير إلى بعض الأمثلة: في سنة 1984، تمّ تزويدنا بعدد محدود من الصواريخ. وقد قرّر النظام حينها تخصيص صاروخين من هذا العدد المحدود للهندسة العكسية. على سبيل المثال، حصلنا على 30 صاروخًا من ليبيا، فخُصّص اثنان منها من أجل التصنيع والإنتاج، وقد تمّ ذلك في غضون عامين، أي إنّ مخزوننا لم يتجاوز أبدًا سبعة أو ثمانية صواريخ. بمعنى أنه إذا وصلتنا صواريخ، كنا نستخدمها مباشرة لأننا كنّا في حالة حرب. تخيّلوا أن يتمّ فصل اثنين من أصل سبعة أو ثمانية صواريخ وتخصيصهما للهندسة العكسية! لقد كان ذلك قرارًا بالغ الصعوبة.

أتذكّر جلسةً حضرها سماحته – حين كان رئيسًا للجمهورية – زار خلالها مركزًا كانت تُجرى فيه أبحاث من قِبل الإخوة في وزارة الحرس في ذلك الوقت. أثناء الجلسة، عبّر سماحته عن قلقه قائلًا: لماذا تُبدون كل هذا الحذر؟ لماذا لا تفكّكون الصواريخ بسرعة؟ لماذا لا تبدأون العمل؟ ثم قال مازحًا: إذا لم تعملوا عليها بسرعة، فقد يأتون ويأخذونها، وربما يطلقونها فتخسرونها!

كان سماحته يُولي أهمية كبيرة للبحث العلمي، والتوطين، والإنتاج المحلي. في تلك السنوات، وضع سماحته حجر الأساس لبناء مصنع للصواريخ، وهناك تسجيلات فيديو توثّق ذلك، ما يدلّ على أن اهتمامه بهذا الموضوع كان حاضرًا منذ ذلك الوقت. لقد بدأ هذا العمل في زمن الحرب، وكان طويلًا، صعبًا ومعقّدًا، سواء في مجال الصواريخ أو في مجالات أخرى كثيرة، لأننا لم نكن نمتلك البنية التحتية الأساسية. أما اليوم، فقد نقرّر تصنيع شيء ما، فتكون أجزاؤه مُنتَجة بالفعل، فنوفّرها ونُصمّم نظامًا لها. أما في ذلك الوقت، فلم تكن المكوّنات الفرعية تُنتَج أصلًا، ولم تكن التكنولوجيا متوفّرة في البلاد. ولكي نصل إلى تكنولوجيا الصواريخ، كان علينا أن نمرّ بعدد من التقنيات التمهيدية التي تُمكّننا من الوصول إليها. في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1991، وأثناء انهيار الاتحاد السوفييتي، ظهر وضع جديد فجأة؛ إذ قُدّمت عروض جيدة جدًا لإيران. كانت الأوضاع الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي متدهورة، وقد انهار، والدول التي نشأت بعد الانهيار كانت تعاني من مشكلات مالية. فجاؤوا وقالوا: نحن نبيع لكم صواريخ ومنصّات إطلاق. الصواريخ التي كنّا نشتريها من كوريا الشمالية بمبلغ يُقارب مليونين ونصف المليون دولار لكل صاروخ آنذاك، عرضوها علينا بعشرة آلاف دولار فقط! ومنصة الإطلاق التي كنّا نشتريها بما يتراوح بين مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين دولار – والتي لم تكن ذات جودة عالية مقارنة بالروسية – عرضوها علينا بسعر مئة ألف دولار فقط.

لم يعارض أحد في القوات المسلّحة هذه الصفقة، لا في قطاع الصواريخ ولا في القوات الجوية، بل على العكس، الجميع قالوا: هذا عرض ممتاز، أسرعوا واشتروها. في الجمهورية الإسلامية، كان هناك شخص واحد فقط عارض الصفقة، وهو سماحته. حاول كثير من المسؤولين التدخّل لإقناعه، لكن سماحته أبدى رفضًا قاطعًا، بل غضب وقال: لماذا تتابعون هذا الموضوع؟ يجب ألّا يواصله أحد!

لماذا؟ لأننا كنّا قد بدأنا بإنتاج الصواريخ منذ عام 1984، وبدأ هذا العمل يُؤتي ثماره تدريجيًا في الأعوام 1990 و1991 و1992. في تلك الأيام التي كانت النتائج تظهر فيها، ماذا أردنا أن نفعل فجأة؟ أن نشتري عددًا من الصواريخ الجاهزة ونأتي بها! وإلى ماذا كان سيؤدّي ذلك؟ إلى توقّف العمل. ولمنع هذا التوقّف، أمر سماحته بمنع الشراء. بل إنه غضب ووبّخ بعض المسؤولين قائلًا: لماذا تتابعون هذا الموضوع؟ لا تفعلوا. لقد أبدى معارضته بكل وضوح.

ما الأثر الذي تركه ذلك القرار الصعب في أوائل التسعينيات برفض شراء كميات كبيرة من الصواريخ على مسار صناعة الصواريخ في إيران؟

ربّما في ذلك اليوم، نحن الذين كنّا في سنّ التاسعة والعشرين أو الثلاثين، وأمثال الشهيد [طهراني] مقدم، كنّا نقول: ليت سماحته وافق، ليتنا استطعنا أن نشتري، لماذا لم نشترِ؟ في تلك الأيام، لم نكن ندرك نحن أنفسنا مدى تأثير ذلك التدبير، ولم نكن نعي أنه لو لم يكن اختيار المسار في ذلك اليوم صائبًا، ولولا أن هذا المسار رُسم وحدّد على يد سماحته، فكونوا على يقين بأنّ مسار الوصول إلى صواريخ أرض–أرض، أو الصواريخ بعيدة المدى، إمّا لم يكن ليتحقّق أصلًا، أو كنّا سنتأخّر فيه كثيرًا. ففي النهاية، عندما تبدأ بالشراء، قد تحصل في المراحل الأولى على تجهيزات أخرى، لكن سرعان ما يتحوّل المسار إلى مسار شراء بحت. قد يبقى باب الشراء مفتوحًا إلى حدّ معيّن، لكن بعد مدّة سيُغلق، ولن تتمكّن من الاستمرار في الشراء، ولن تحصل على النسخ المطوّرة أو المدى الجديد. لذا، كان ذلك القرار مصيريًا للغاية، وهو المسار الذي رسمه سماحته وحدّد سكّته.

إذا أردنا أن نجري مقارنة بين الوضع العسكري للبلاد في نهاية مرحلة «الدفاع المقدس» والوضع اليوم، فما هي الفروقات التي نراها؟

دعوني أوضّح لكم: لا يمكننا إجراء تقييم دقيق لما تحقق من تقدّم دون إجراء مقارنة موضوعية. لننظر إلى نهاية الحرب، عند صدور القرار 598، ولنرَ أين كنّا آنذاك، ثم نُقارن ذلك بما وصلنا إليه اليوم، في عام 2021. كم تقدّمنا في هذه السنوات الاثنتين والثلاثين؟ عندما دخل حرس الثورة الإسلامية إلى ساحة الحرب، لم يكن يملك شيئًا تقريبًا. وفي نهاية الحرب، كان يمتلك بعض التجهيزات التي حصل عليها كغنائم. لقد كان الحدّ الأقصى من إمكاناتنا آنذاك يقتصر على المدافع، والدبّابات، والهاونات، والأسلحة الخفيفة وشبه الثقيلة؛ لم نكن نملك سلاحًا يُعتدّ به على مستوى الردع أو الهجوم الاستراتيجي. أما الجيش، فقد مضت عليه عشر سنوات منذ انتصار الثورة، أمضى منها ثماني سنوات في الحرب. وكلّ ما كان بحوزته من تجهيزات إما تضرّر بفعل المعارك أو تمّ استهلاكه. والأهم من ذلك، أننا كنّا قد تأخّرنا نحو عشر سنوات عن مواكبة التكنولوجيا العسكرية الحديثة في العالم، لأننا في تلك الفترة كنا تحت الحظر الشامل، ولم يكن أحد يمنحنا شيئًا.

كانت الدول المصنّعة للأسلحة قد أحرزت تقدّمًا كبيرًا، في ما كانت الدول المنضوية ضمن المعسكرين الغربي أو الشرقي تحصل على الأسلحة منهما بسهولة. العراق، على سبيل المثال، استمر في الحصول على السلاح حتى آخر يوم من الحرب، بل حصل على أسلحة متطوّرة. أما نحن، فلم نتمكّن من الحصول على شيء؛ لم يُعطِنا أحد شيئًا، لأننا كنّا تحت الحظر. لقد تسبّب هذا الحظر في تأخّرنا. ففي نهاية الحرب، كان وضعنا العسكري من حيث الجهوزية والقدرة والتسليح يعاني من تراجع واضح. لم نكن في موقع جيّد، لا على مستوى الجيش ولا على مستوى الحرس. لم نملك إمكانات تُذكر، بل كنّا نمتلك مجرد مجموعة من المعدّات الأجنبية: بعضها غربي، وبعضها شرقي، وأخرى من الغنائم، وكلّها كانت بعيدة فعلًا عن مستوى القدرات الحديثة.

حسنًا، عندما تنظرون إلى نهاية مرحلة «الدفاع المقدّس»، سترون أين كنّا. أما اليوم، فانظروا أين وصلنا. في العقود الثلاثة الأخيرة، اشتدّ علينا الحظر التسليحي؛ لم يُخفَّف بل أصبح أشدّ مما كان عليه أثناء الحرب. ولم نتلق أيّ دعم من أحد. كما كنا واقعين تحت الحظر الاقتصادي أيضًا، صحيح أنّه تفاوت بين فترة وأخرى، لكن على أيّ حال، هذا الحصر الاقتصادي تسبب لنا بمشكلات وضغوط مالية، إذْ كانوا يمارسون الضغوط، ويخفضون أسعار النفط، وبالنتيجة لم تكن القوات المسلحة تحصل على الميزانية التي تحتاجها أبدًا. كانت [القوات المسلحة] دومًا في مأزق، سواء من حيث الميزانية أو من نواحٍ أخرى إلى ما شاء الله.

حسنًا، عندما تنظرون إلى نهاية مرحلة «الدفاع المقدّس»، ستدركون أين كنّا آنذاك. أما اليوم، فانظروا أين وصلنا. في العقود الثلاثة الأخيرة، اشتدّ الحظر التسليحي علينا؛ لم يُخفَّف بل أصبح أشدّ مما كان عليه أثناء الحرب. ولم نتلقَّ أي دعم من أحد. كنا أيضًا تحت وطأة الحظر الاقتصادي، صحيح أنّ حدّته كانت تتفاوت من فترة إلى أخرى، لكن في جميع الأحوال، تسبّب هذا الحظر الاقتصادي بمشكلات وضغوط مالية كبيرة. كانوا يمارسون علينا الضغوط، ويخفضون أسعار النفط عمدًا، مما أدى إلى حرمان القوات المسلّحة من الميزانية التي تحتاجها. لقد كانت القوات المسلّحة دومًا في مأزق، سواء من حيث التمويل أو من نواحٍ أخرى كثيرة.

في ظلّ ظروف الحظر القاسية، كيف أمكن تحقيق هذه الإنجازات الكبرى؟ وكيف أدّى قائد الثورة دورًا استراتيجيًا في هذا المجال؟

انظروا أين وصلنا اليوم. انظروا، في مجال التسلّح، سواء في مجال منظومات الصواريخ أرض-أرض، أو الطائرات المسيرة، أو الرادارات، أو الحرب الإلكترونية، أو الدفاع الجوي، وسائر المجالات الأخرى، سواء البرية أو البحرية، نحن اليوم في مصافّ الدول العالمية، لا الإقليمية فقط. الخطط المرسومة والوثائق العليا للبلاد تؤكّد أنه ينبغي أن نكون ضمن الدول الأولى على مستوى المنطقة في المجالات الاقتصادية، أو من بين الدول الثلاث الأولى. أمّا في المجال العسكري، فالمسألة ليست إقليمية، بل نحن بالفعل على مستوى عالمي.

إذا نظرنا إلى العالم اليوم، نجد أن هناك نحو عشرين دولة تصنع رادارات حديثة وذات جودة عالية – قد تختلف مستوياتها قليلًا – لكننا بلا شك ضمن هذه الدول العشرين. وفي مجال الطائرات المسيّرة، كم عدد الدول التي تعمل في هذا المجال؟ نحن بالتأكيد من بين أفضل خمس دول في العالم. أمّا الدول القادرة على تصميم وصناعة منظومات دفاع جوي حديثة، فنحن اليوم من ضمنها أيضًا. تأمّلوا، في ظلّ ظروف كنّا فيها مقيّدي الأيدي؛ كنا تحت الحظر، وتحت حظر تسليحي، بل حتى كنّا ممنوعين من حضور بعض المعارض العسكرية الدولية؛ لم يكونوا يوجّهون لنا الدعوة، بل لم يكونوا يسمحون لنا بالحضور أصلًا. لقد كان حظرًا في حدّه الأقصى، ولا يوجد بلد في العالم مرّ بظرف مماثل. ومع ذلك، وصلنا إلى هذه النقطة. فهل حصل هذا صدفة؟ كلا. لم تكن مصادفة؛ بل كانت نتيجة تخطيط، وقيادة، وخارطة طريق واضحة، وتحديد للأولويات، وتنفيذ مدروس. وكان المحور الأساسي في ذلك هو قائد الثورة الإسلاميّة.

ما هو دور قائد الثورة وقيادته في القرارات الفنية المتخصصة بالصواريخ والطائرات المسيرة؟

في مجال الصواريخ، وعلى الأقل في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، كان لدينا تواصل مباشر واجتماعات مستمرة مع قائد الثورة الإسلامية، وكنّا ننسّق معه في القضايا الأساسية، سواء بالحضور الشخصي أو عبر المراسلات. كان سماحته صاحب رأي خبير في هذا المجال، وأحيانًا كان يصحّح لنا مسار التقدّم. فعلى سبيل المثال، حين كنّا نسعى إلى زيادة السرعة في الجوانب الفنية للصواريخ، كان يؤكّد على ضرورة إعطاء الأولوية للدقة.

كنّا نناقش الأمر فيما بيننا، وكان الإخوة يقولون: مثلًا، عندما نضرب هدفًا بصاروخ ذي رأس حربي يزن طنًّا واحدًا، فهل هناك معنى للدقة هنا؟ حتى لو أخطأ الهدف بمئتي متر، فإن المكان سيتدمّر على أيّ حال. فلماذا نستثمر كلّ هذا الجهد؟ بالإضافة إلى ذلك، ليست لدينا البنية التحتية ولا الإمكانات اللازمة.

لكننا أدركنا في السنوات اللاحقة أن الأمر ليس كذلك. ففي بعض الأحيان، يجب علينا أن نختار بين أربعة منازل، حيث توجد مجموعة إرهابية في أحدها، وعلينا استهدافه بدقة. حتى لو استخدمنا رأسًا حربيًا صغيرًا، فالمهم أن يُقتل زعيم تلك المجموعة الإرهابية.

رأينا ذلك في الحرب ضد داعش، وفي استهداف الجماعات التكفيرية والإرهابية في كردستان العراق. أو حين نُصب كمين لقوّاتنا الأمنية في جنوب شرق البلاد، كنّا بحاجة إلى هذا المستوى من الدقّة لضرب قائدهم مباشرة. لقد أدركنا، في مثل هذه الحالات، أنّ الدقّة أمر بالغ الأهمية، ويجب أن يصيب السلاح الهدف بدقة تامة.

وفي بعض المراحل داخل القوات الجو-فضائية نفسها، كان بعض القادة السابقين يميلون إلى تطوير القطاع الجوي والطائرات. لكن سماحته قال بوضوح: لا تتابعوا هذا المجال، فهذه ليست مهمّتكم، بل هي مهمّة الجيش. أنتم ركّزوا فقط على الصواريخ، ولا تشتّتوا جهودكم في مجالات أخرى.

أو في السنوات الأخيرة، في مجال الطائرات المسيّرة، نرى آثار ذلك بالفعل؛ لقد وُلدت قوّة جديدة، وحدث تحوّل حقيقي.

انظروا الآن، بعد حرب قره باغ، بين أرمينيا وأذربيجان، استيقظت بعض الدول فجأة، وأدركت الدور الكبير الذي تؤدّيه المسيّرات، وأهميتها وتأثيرها الفعّال. طائرة مسيّرة واحدة، لا تتجاوز كلفتها 30 ألف دولار، يمكنها أن تدمّر منظومة دفاع جوي من طراز S-300 تبلغ كلفتها 300 مليون دولار. أو تدمّر دبابة، لا أعلم كم تبلغ كلفتها، أو موقعًا محصّنًا فيه جنود أو راجمة صواريخ “كاتيوشا”، باستخدام المسيّرة فقط. اليوم، بدأ الجميع يُدرك هذه الحقيقة. منذ سنوات طويلة، كان سماحته يؤكّد على هذا الأمر، وكان هناك أيضًا دافع لدى القوات، وكان لديهم الشغف والمتابعة المستمرة، وها نحن اليوم في مصافّ الدول العالمية. لا ينقصنا شيء، بل نحن متقدّمون في بعض المجالات. الإبداع إيراني، والعمل إيراني، وهو مختلف تمامًا، إذ يحمل طابعًا اختراعيًا.

لو طلبنا منكم تلخيص دور قيادة سماحة الإمام الخامنئي في اقتدار إيران اليوم، فماذا ستقولون؟

أعتقد أن دور سماحته في المجالات العسكرية والدفاعية عظيم جدًّا. لقد أشرتُ للتو إلى ثلاثة جوانب فقط، لكنه في الحقيقة أكبر من ذلك بكثير ويحتاج إلى تحليل دقيق ودراسة وبحث معمق.

نحن اليوم دولة قوية وقوة إقليمية، وحتى الأمريكيون والغربيون يعترفون بذلك، فعلى سبيل المثال، يقولون إن «إيران بطائراتها المسيرة سحبت منا التفوق الجوي بعد 75 عامًا». وهذا ليس كلامًا عاديًا، بل تصريح صادر عن قائد عسكري في الجيش الأمريكي.

ففيما يتعلق بضربة عين الأسد، يقولون إن إيران استهدفت بالضبط النقطة التي قررت استهدافها. أما في استهداف داعش مثلًا، لم تكن الجماعات الإرهابية جيشًا نظاميًا يقاتل في جبهات محددة، بل كانوا يعيشون بين المدنيين في المنازل، أحيانًا برفقة النساء والأطفال. كان علينا تحديد النقاط التي تخص داعش فقط، ثم استهدافها بدقة وذلك أمام أنظار العالم أجمع، أي في مكان كانت الطائرات الأمريكية تحلق فيه، وكان الأوروبيون موجودين، وسوريا كانت هناك، وتركيا كانت هناك. أي أن العملية لم تكن في مكان معزول، بل كانت على مرأى العالم كله، والجميع يراقبون ويقيمون. وبالفعل، الجميع أشادوا وقالوا إن عملكم كان ممتازًا.

الأمن الذي تنعم به البلاد اليوم قد انعكس مباشرة على حياة الناس وأمنهم. نرى الآن انعدامًا للأمن في مناطق مختلفة، أي أنه لا يمكن توفير الأمن بشكل مستعار. في هذه اللحظة، عندما يقل عدد القوات الأمريكية في المنطقة، تعرب بعض الدول العربية عن قلقها وتقول: “نحن قلقون من انسحاب أمريكا”. لماذا؟ لأن قوتهم ليست نابعة من أنفسهم، بل هي قوة مستعارة وأمريكية.

نحن مدينون بهذه الإنجازات، وإن شاء الله، بفضل هذا المسار المرسوم وقيادة وتوجيه سماحته، فإن قوتنا ستزداد يومًا بعد يوم. وإذا طُبقت هذه التوجيهات التي صدرت – وقد شرحتُ جانبها العسكري – وهي موجودة أيضًا في المجال الاقتصادي، والثقافي، وسائر المجالات، حتى في نمط العيش، باختصار لكل شيء؛ إذا عمل بها المسؤولون المختلفون، والناس، وكل من تقع على عاتقه مسؤولية، فإن هذا البلد، بإذن الله، سيغدو كالجنّة.

إلى أي مدى يشارك الشباب والنخبة العلمية في القوة الجو-فضائية، وإلى أي حد تعود الإنجازات الحالية لحضورهم؟

نعم، انظروا، هذه النجاحات في القوات الجو-فضائية نابعة من العمليات التي تم تنفيذها، ويُقرّ بها معظم الناس. عادةً نقول إن صناعة الصواريخ بدأت عام 1984، وقد يظن بعض الناس أن هذا يعود إلى 37 سنة مضت، وأن مجموعة من الرجال الكبار السن كانوا هم من بدأوا العمل بدافع الحماس. لكنني أقول الآن إن متوسط عمر أفراد القوات الجو-فضائية هو 33 سنة، ومتوسط عمر قادتنا على مختلف المستويات، من قادة الفرق وقادة القواعد إلى قادة المناطق، يتراوح بين 35 و40 سنة.

بالطبع، في قسم الباحثين لدينا، الذين يعملون على الأبحاث والأعمال الإنتاجية، جميعهم شباب ومتوسط أعمارهم منخفض. هل تحققت هذه الإنجازات فقط بفضل هؤلاء الشباب داخل القوات الجو-فضائية؟ لا، هذه القدرة والقوة هي نتيجة جهود كل البلاد. نحن الآن مرتبطون بجميع الجامعات، وهذا ما كرره سماحته مرات عدة: لتحقيق تحول في الصناعة، يجب أن يكون هناك تعاون بين الصناعة والجامعات. وهذا التعاون قائم حاليًا بيننا.

لقد دعمنا وشجّعنا كثيرًا من الشباب الموهوبين، الذين أسسوا شركات قائمة على المعرفة وأصبحوا متعاقدين، يعملون في مجالات متنوعة سواء معنا أو مع جهات أخرى. هذه الإنجازات تحققت في الغالب بجهود هؤلاء الشباب أنفسهم. برأيي، يكمن الحل للخروج من المشكلات في تمكين هؤلاء الشباب، مع الاستفادة من خبرات كبار السن. وعندما نقول «شباب»، لا نعني تعيين شاب في الثلاثين من عمره وزيرًا، فهذا ليس المقصود، ولكن بطبيعة الحال ليست كل المسؤوليات في مستوى الوزارة أو الرئاسة.

انظروا إلى عدد المدراء العامين، المحافظين، رؤساء الأقسام، العاملين في المصانع وقطاع الصناعة والجامعات؛ هنا يمكن للشباب أن يشاركوا بفعالية. لدينا تجربة ناجحة جدًا في هذا المجال.

هذه الأعمال التي نقوم بها، لا يمكنك إنجازها بعدد محدود من المئات، أو بأقصى تقدير بألفي شخص فقط. طبعًا الشباب هم من ينجزون هذه الأعمال. في اعتقادي، ليس فقط في المجال العسكري والتسليحي، بل في المجالات الاقتصادية وفي بقية القطاعات أيضًا، يكمن طريق الخروج من المشاكل في الثقة بهؤلاء الشباب، ومنحهم الفرصة ليأتوا ويعالجوا هذه القضايا، وقد استفدنا منهم إلى أقصى حد.

ما الذكريات التي ما زالت عالقة في أذهانكم من الجلسات واللقاءات التي جمعَتكم بقائد الثورة الإسلامية؟

لقد ذكرتُ بضع نقاط. بالطبع، ليس الأمر كذلك أن سماحته يتدخل في جميع الأمور، أو أن يبدي رأيًا مختلفًا عن العمل الجاري. لقد كانت هناك أوقات عدة زرناه فيها، فقال لنا: «تابعوا على هذا النهج، فهو جيد». كانت هناك حالات سألتُ فيها سماحته وقلتُ: «سيدي، هل أنت راضٍ عن القوات الجو-فضائية؟» فأجاب سماحته: «أنا راضٍ عن الحرس الثوري بأكمله. بالطبع تختلف النسبة من مكان لآخر، لكنني راضٍ جدًا عن القوات الجو-فضائية». كانت هذه من الذكريات الجميلة جدًا بالنسبة لنا، أننا تمكنا من كسب رضا سماحته.

سماحته ليس ممن يحضر جلسة ويتحدث قليلًا وينتهي الأمر؛ بل يجلس وهو مطّلع ومُلم. كثيرًا ما حصل أن حضرنا جلسات واكتشفنا أن سماحته قد اطلع بدقة على التقارير السابقة وكل ما كُتب. أحيانًا، حين يجلس الإنسان مع بعض الأشخاص، يلاحظ أنهم ينظرون إلى ساعاتهم ويشعرون بالضجر، وهذا التعامل يُشعر المرء بالتعب والفتور؛ لكن سماحته يطالع بدقة، يعرف الماضي، ويدرك التدابير، ولديه تصور واضح لمسار يمتد لسنوات عدة أمامه.

ذكرتم أن التقدّم العسكري اليوم هو ثمرة الالتزام بتوجيهات القيادة، فما هي توصيتكم لباقي المسؤولين؟

عبر التجربة التي اكتسبناها على مدى هذه السنوات من إرشادات وتدابير وقيادة سماحته، أعتقد أن المسؤولين إذا أخذوا هذه التوجيهات والتدابير في مختلف المجالات بجدّية، فسيحرزون التقدّم، حتى تلك التي تعود إلى سنوات مضت. برأيي، ينبغي لكل وزير أن يعود إلى ما قاله سماحته في ثلاثين عامًا عن وزارته، ويطالع هذه المسارات، ويدرسها ليستفيد منها.

ففي كل مجال، لدى سماحته تدابير يمكن أن تشكّل خريطة طريق. فليس الجهد وحده كافيًا؛ بعضهم يقول علينا أن نعمل 20 أو 24 ساعة في اليوم! لكن هذا قد يُبعدنا عن المسار الصحيح. فالإكثار من العمل دون دقّة قد يؤدي إلى إكثار من الإخفاق. علينا أن نتحرك بدقة، في الاتجاه السليم، وعلى مسار واضح، بخريطة طريق صحيحة. أرى أن هذه التدابير تمثّل ثروة عظيمة، وإذا أحسنَت جميع القطاعات الاستفادة منها، أعتقد أن البلاد ستُكتب لها النجاة، إن شاء الله.

من وجهة نظركم، ما هو سر تقدّم ونجاح صناعة الصواريخ في البلاد؟

إن سرّ النجاح في مجال الجو-فضاء ــ الذي تشمل الصواريخ جزءًا منه ــ يكمن أولًا في وفاء الجميع بالهدف والرؤية الاستراتيجية المحددة، رغم تغيّر القادة عبر الزمن. لقد تعاقب العديد من القادة، لكن الجميع ظلّ ملتزمًا ومسؤولًا تجاه هذا المسار. في قطاعات أخرى نرى مسؤولًا جديدًا يُهدم ما أنجزه سلفه، رغم أن الأخير قد أنجز عشر مهام، منها ثلاث غير ناجحة وسبع ناجحة، فلا يصحّ أن تُهدم الإنجازات كلها. ربما قمنا بتعديل خريطة الطريق، ومن المؤكد أن المسار الذي سلكناه يختلف عن مسار الشهيد مقدم، ومسار اللواء سلامي، والقادة السابقين، لكننا جميعًا كنا أوفياء للهدف. لقد كانت حركة جماعية، شارك فيها الجميع بإيمان.

هناك نقطة أخرى: قد يمتلك بعض المديرين أفكارًا جيدة ويكونون متمكّنين ومطلعين، لكن إشراك جميع المديرين أمر ضروري للغاية. إذا لم يتم ذلك، وظللنا نكتفي بإعطاء الأوامر فقط، فقد يستمر العمل مؤقتًا، لكن مع رحيل المسؤول يتوقف. لماذا نظل أوفياء لما قام به الشهيد مقدم؟ لأنه كان يجلس معنا، يتحدث، يشركنا في العمل، فكنّا نفهم الأمور ونتفكّر مثلَه. هذا أمر حاسم. العمل الفردي في غرفة مغلقة لاتخاذ القرار قد لا يثمر. قد تمتلك المعرفة والسيطرة، لكن من الضروري أن تجلس مع الفريق، تستشيرهم، وتبادلهم الآراء. تبادل الآراء هذا يجعل الأفراد يتعاونون، وحتى إن اختلف بعضهم بنسبة 20% أو 30% مع استنتاجاتكم، يبقون أوفياء لكم.